موت المنزل

أحمد عبيد الله محمد

إنيّ رأيت منزلًا عشت فيه ردحًا من الزمن يموت..

اتلمس شقوق جدرانه، أخاديد دمع سكبها ذات فراق والحرب لم تضع أوزارها..
منزلي يموت ولي فيه قصص عشق قديم وطفولة أبنائي وترهات حياتهم على جدرانه .. يقلدون معلميهم بالكتابة على جدرانه وهم يفوزون باغتناء قطعة طباشير خلسة من ذاك المعلم مكفهر الوجه…
كان جدار البيت يحتضنهم ويفسح لهم مراجعة ما ذاكروه على جدرانه وكأنه أب حنون يتابع أبنائه..
الجدار كان آخر مصدات الوجع نتكئ عليه ونبادله دموعنا، التي أصبحت الآن شروخًا تتخلله…
همهمات الحنين وغنج المحبين وغناوي الشباب ..ولكن البيت يموت الآن … ولاعزاء للغرباء…
الجدار، الذي نتكئ عليه ذات حنين يترنح الآن يهمهم يحاول أن ينفلت من قبضة الموت ويديه المطبقتين عليه… يئن بحنين كحنين الجزع إلى سيد البشر ..
الغرف، التي رسمت جزء من حياة الآن تنطفئ في هدوء ..وكأنها شجرة حاصرها العطش ولم تفلح جذورها الضاربة في كتابة فرصة أخرى للحياة… .تذبل تدريجيًا لتغلق ستار مسرحية كنا أبطالها ذات يوم والحياة مسرح كبير يؤدي كل منا دوره فيه..

البيوت تموت عندما ينقطع عنها همس العاشقين وقهقهات الحياة وأحلام الغد ..
فكل البيوت بدأت كحلم تحقق أو لم يتحقق .. تجسد بعضه في واقع أم ظل حلمًا يطارد مخيلة الناس..
حلم وميض في أفق بعيد.. وهي روح وحنين… تعيش وتموت كما كل شيء في هذا الكون… .

الجدار، الذي كنت اتكئ عليه ذات حنين كان يهدهدني ..كان مصدة وجع ومخزون ذكريات وكان يحمل صورتي بحنو على صدره..صورة لاتخلو من وسامة وكنت كلما أنظر إليها ازداد ثقة بنفسي، أنه مازال متسعًا من العمر للجنون وللجنون…
(القمح مر في حقول الآخرين) ..والبيت طاعم بملحه ومائه… كنا نبيت الطوى فيه لكننا ممتلئين محبة وسمو روح…
وما الجوع إلا حالة تسحقها مشاعر الحنين والحب… .
الجدار ساترنا ومصدة أحزاننا… عليه نشدد أزرنا ونشركه في أمرنا … ..فلك الوداع..

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.