
محمود الشين
عندما ترغب في لفت إنتباه أدروب في شرقنا الكبير فلا تكلف نفسك عناء تذكر اسمه إن خانتك ذاكرتك الخربة، وما عليك إلا أن تطلق حرف النداء: (ياآآآ).. فإن جميع الأدروبات الرائعين سيكونوا على أهبة الاستعداد لسماع ما تريد قوله.
ما سر هذا الأمر؟.. شخصياً لا أدري؟
كلما رغبت المزيد من القهوة أنادي على (أبو آمنه) باسمه، لكن أحياناً لا عليه، وكأن الأمر لا يعنيه أبداً.. وما أن أستخدم شفرة النداء، فإن جميع (الاصطاف) يكون تحت الخدمة!
أين أجد أصدقائي الزبير سعيد، حسن أدروب، تاج أونور أو محمد علي أونور لمعرفة هذه (الخصوصية) في أوساط ذاك المجتمع الشرقاوي الجميل.
إن ارتباط الإنسان في المرتفعات كأصدقائي الأحباش في أعالي الهضبة بهذا السائل السحري، لا يوصف على الإطلاق، يبدو أن أجسامهم تحتاج إلى هذا الكافيين للتكيف مع بيئتهم الطبيعية.
لماذا هذا الأسر النبيل؟
ويأتي رد ناتاليا: “وهل هنالك ما يستحق التضحية أكثر من تعديل المزاج”؟ برافو عليك سليلة حضارة أكسوم العريقة.
عدد هائل من القدور تغلي على طول ساعات النهار، وهي مشتعلة بالفحم النباتي وكأنما لا سلوى للناس هنا غير القهوة وطقوسها.. ولا أحد يتخيل حجم الاعتداء على البيئة، فمن أين يأتي هذا الفحم لعروس البحر وهي التي ينبغي أن توفر للناس الطاقة النظيفة؟
إن قهوة خاصة الأدروبات ليست هي القهوة التي تصنع وتباع في الأسواق للعامة، حيث تختلف طريقة تحميص البن، سحنه، وتعبئته، وحتى الأواني التي تستخدم عند الجالسين على الأرض الحبيبة.
قهوة النساء هي الأغلي سعراً وقتئذ (500 – 700 جنيه)، بينما التي يصنعها الرجال لا تتعدى الـ(300 جنيه)، وهم بعد في زيهم التقليدي المميز (الجبة والسديري) إن كان سواكنياً أو السرباتوك الأنيق!
تلهمني وتستهويني مقاهي مدينة كسلا التي حافظت على فطرتها السليقية وبذات الطقوس القديمة، غير أن إيقاع الحياة في مدينة بورتسودان كعاصمة بديلة سلبها الطابع الشعبي، وهي موغلة عميقاً في حداثتها، التي فرضها الأمر الواقع.
شكراً أدروب، فأنا مثلك في الهوى، رهيف وولوف.
Leave a Reply