
د.نزار غانم
كاتب من اليمن
أحبتي هنا و هناك..
أحببت أغاني ومقطوعات الفنان فريد الأطرش و إحساسه وأسلوبه في العزف على العود منذ الصغر. و أمتلكت فيما بعد مجموعة أفلامه التي تبلغ حوالي 35 فيلماً، بعضها نادر جداً إلى درجة عدم وجوده حتى في مصر، حيث مُثلث معظم هذه الأفلام، فأدركت أنه يمتلك موهبة إضافية هي التمثيل والقدرة على المسرحة والغناء الاستعراضي، وكتبت عن زيارته لعدن في منتصف الخمسينيات كما فعل غيري، إذ تصوروا أن المفكر الماركسي اليمني الجاد عبد الله باذيب قد كتب عن الأبعاد الاجتماعية لتلك الزيارة الحدث من زاوية علم الجمال الماركسي، وكذلك المستعربة البريطانية صاحبة كتاب (جاء السلاطين لتناول الشاي) واسمها جين نكسماور، التي كانت زوجة لقاضي القضاة البريطانيين يومئذ في المستعمرة البريطانية عدن.. و كيف أن نسبة الطلاق قد تضاعفت ثلاث مرات بين الأهالي خلال وجوده لزهاء أسبوع، وقدمت هي تفسيراً نسوياً استشراقياً لذلك.
مفتاح شخصية فريد الأطرش هو أنه عاش أوجاع سايكس بيكو، ومن ثم أوجاع أدعياء مناهضة سايكس بيكو، فهو سوري الميلاد، لبناني النشأة المبكرة، مصري الاقامة وسوداني الجنسية!؟
ما هي علاقة فريد الأطرش بالسودان؟
تبدو العلاقة منقوصة في بعض أجزائها، فمثلا أوبريت (بساط الريح) الذي قدمه في الأربعينيات على أساس أنه دعوة للوحدة العربية الشاملة من خلال توظيف اللهجة الموسيقية لمراكز الثقل الفني في الوطن العربي، هذا الأوبريت لم يستخدم فيه السلم الخماسي أو أي من تكنيكات الجمال المسموع أو الأدائي الراقص في السودان، ولا حتى في النوبة المصرية، لكنه عاد و تدراك الأمر في فيلم (ما تقولش لحد)، حيث كان ضيف الشرف صديقي الفنان الراحل إسماعيل عبد المعين، والذي طالما جمعنا منزله الطيب في بحري، وقبل ذلك الاسبتالية، حينما نزل مريضاً فيها، وكنت طالباً للطب في السنوات النهائية. في هذا الفيلم كانت دعوة موسيقية لوحدة وادي النيل، وقدم الجزء السوداني في اللحن إسماعيل عبد المعين بكلمات مؤثرة عن الخرطوم و أمدرمان، واستخدم تكنيك (النمة) في الغناء السوداني، إضافة الى الإيقاع واللحن الآتي من جنوب الوادي، وإن كنت لست راضياً عن الرقصة (المشخلعة) لسامية جمال على أنغام اسماعيل عبد المعين، لأنها تزيف واقع الرقص النسوي السوداني، وحتى في الرقصات الخصوصية مثل (قطع الرحط) لا يحدث هذا.
ورغم أن الكثيرين من قدامى الرياضيين في السودان، وخاصة نادي الموردة (كابتن عمر التوم)، ونادي المريخ (جورج فواز) كونوا جمعية للمعجبين بالفنان فريد الأطرش في السودان، كذلك جمعت الصداقة بين شقيقته الراحلة أسمهان و المسرحي السوداني الرائد خالد أبو الروس في القاهرة،كما حدثني أبو الروس شخصياً في أبوروف الثمانينيات، إلا أنه باستثناء تسمي الصديق الفنان عثمان الأطرش (بالأطرش) اقتداء بفريد، فأننا لا نجد أثراً لفن فريد في السودان، ربما باستثناء إيحاء توزيع أندريا رايدر لمعزوفة فريد (لحن الخلود)، وسير محمد وردي في ذات الدرب في توزيع أغنية (الود) على يد رايدر.
لكن فريد الأطرش تدارك كل هذا بأن وجد في كلمات الكاتب عبد الله قلندر الذي قابلته شخصياً في النادي العربي بنمرة اثنين عام 1974م، والتي تتغنى بأبعاج وبالسودان المايوي ما عوض عن طول إهماله كموسيقار عربي نابغة للإستفادة من النغم السوداني الذي كان يمكن أن يوصله بشعبيته إلى الأذن العربية. ثم أن هذا واجب عليه كفنان عربي و ليس مصري فقط! هذه وجهة نظري الشخصية. وكانت زيارته التاريخية اليتيمة للخرطوم عام 1974م، وكانت أغنيته الأكثر فشلاً ومللاً في حياته (يا ثورة مايو نحييكي بالدم.. وأرواحنا نفديكي يا ثورة الأمة العربية)، وقد منحه أبعاج الجنسية السودانية وأكرم وفادته في فندق السودان.
بعد سنوات من الإنقطاع زرت السودان الحبيب، وسألت عن قطب المريخ، الموثق الأول لأغاني فريد الأطرش، فعلمت أنه طرد من بلاده بسبب سلوكه الاجتماعي، وكأنما هو الوحيد الذي كان على ذلك الحال في جنوب الوادي، وقد عاش في كالفورنيا حيث يدير مطعماً ويؤسس لموقع هام لفريد الأطرش على الإنترنت حتى وفاته رحمة الله عليه.
وفي مناسبة ذكرى (ثورة مايو).. يا ترى ماذا بقى من ذكرى فريد الأطرش في السودان (الجديد).!!
Leave a Reply