
نزيهة البكري
أتذكر إنيّ قد قرأت ذات مرة على موقع اندبندت العربية مقالًا تضمن رأيًا للروائي السوداني أمير تاج السر، الذي تحدث عن وسائط التواصل الاجتماعي ماجذبني في رأية خلاصة كلامة بأن هذه الوسائط عالم افتراضي، وأن معظم من يتداخلون فيه، يظلون في أماكنهم خلف الكيبورد، بينما العالم الحقيقي، يتحرك من حولهم، يحتفل أو يصرخ أو يضج أو يشعل ثورات، أو يموت.
مما دفعني للتفكير أيامًا حول هذه النقطة الفاصلة بين ماهو حقيقي وماهو افتراضي خاصة وأنه برزت في الآونة الأخيرة عددًا كبيرًا من المنصات الأدبية السودانية ذات التوجه الثقافي البحت محلقة بعيدًا عن مدار السياسة وعالمها الغامض.
والمنصات الأدبية كما هو معروف عبارة عن مواقع أو تطبيقات إلكترونية توفر للكتاب والقراء على حد السواء مساحة للنشر والتفاعل مع المحتوى الأدبي مثل القصص والروايات والأشعار والمقالات والخواطر والنثر وغيرها من ألوان الأدب والفنون.
وقد أتاحت مثل هذه المنصات فرص واسعة للعديد من الكتاب والأدباء والهواة بمختلف ألوانهم الكتابية وتجرأت بذلك على كسر تابو الاحتكار الأدبي لأسماء بعينها كانت تحتل دور النشر التقليديه وفرص الانتشار بل وحتى الساحه إذ لا يحتلها سواهم، وهذا لا يعني بأنهم ليسوا أهلا لذلك، وإنما كانت فرصهم تتوسع في حين تتقزم الفرص أمام غيرهم من المغمورين فدور النشر التقليدية مؤخرًا لم تعد تهتم بما يكتب بقدر اهتمامها بالكاتب نفسه ومدى “ذياع سيطه” وشهرته.
لذا عندما اجتاحت المنصات الأدبية وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة وفتحت الباب أمام عدد لا يحصى من الواعدين الجدد وجد هؤلاء الكتاب وأخيرًا متنفسًا لمواهبهم ومتابعين يصقلون كتاباتهم تشجيعًا وتفاعلًا وإعجاب فكانت لهم بمثابة نقطة الانطلاق .
وهنا نجد أنفسنا نقف وجهًا لوجه أمام سؤال حائر وبالغ التعقيد ألا وهو اجتياح المنصات الأدبية للساحة فرص للكتاب أم ثغرة تسمح بدخول كل من هب ودب ؟
فلا أحد ينكر بأن مثل هذه الفرص قد فتحت الباب أيضًا أمام العديد من المتحزلقين وأنصاف المواهب ليطلوا عبر ذات النافذة الحرة يروجون لبضاعتهم وإن كانت المنصة للأعمال الأدبية وليست للبضائع المعطوبة.
وهذا يقودنا مباشرة لما ذكر في جلسة سابقة لمعرض الشارقة الدولي للكتاب في العام 2022، التي كانت بعنوان “بين النقد والإبداع” ضمن الفعاليات الثقافية، التي أقيمت تحت شعار “كلمة للعالم” إذ أكّد العديد من الأدباء والنقّاد أنّ فنّ النقد في عالمنا اليوم مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي لم يعد يخضع لمعايير أكاديمية أو علميّة منهجيّة، في حين اختفى الناقد، الذي يقوم بدوره الحقيقي بين الكاتب والقارئ، سواء في تفسير النصوص أو تقييم المحتوى وجودته الأدبيّة.
ولعلنا نلاحظ اليوم أنه قد أصبح الناقد هو القارئ نفسه إذ أنه من يقيم الأعمال ويبدي الرأي بقبول النص أو رفضه وبالاتفاق مع الكاتب أو مخالفته وبإعجابه بكتاباته أو سخطه عليه بينما انزوى معظم النقاد منعزلين بعيدًا عن كل هذا ولا أحد يدري إن كانت عزلتهم إجبارية أم أنها اختيار .
وفي رأي المنصات الأدبية مثل كل شيء فيها ماهو إيجابي وفيها ماهو سلبي ولكن يقع العبء الثقيل على منشئ هذه المنصات والمتحكمين فيما ينشر فيها لأنهم بمثابة القناة، التي تسمح بالمرور عبرها لعقول متابعيها وبالتالي يجب عليهم الحذر والتحري والتدقيق فيما ينشر كما يجب عليهم الاستعانة بالنقاد ليمارسوا دورهم المنوط به ليستعيدوا زمام أمرهم ويستمتع القراء بتذوق الفن بدلًا من التغول على مهام النقاد وتولي عملية النقد بأنفسهم.
والأمل كبير في منشئ المنصات الأدبية السودانية على وجه الخصوص خاصة وأن العديد منهم أهدافهم سامية ورؤاهم للمستقبل تتخطى المستحيل ويعول عليهم العديد من الأدباء ليكونوا منبرًا مستنيرًا يستقي منه المجتمع تجاربهم وينهلون مما فيه من علم ومعرفة.
Leave a Reply