
امجد احمد السيد
هل يمكن بناء تحالف وطني شامل دون مشروع ثقافي جامع؟
سؤال يبدو للوهلة الأولى نظريا لكنه في حقيقة الأمر مفتاح لفهم أزمات السياسة السودانية وربما أزمة الدولة نفسها إذ ما قيمة التحالفات السياسية إن لم تقم على أرضية فكرية وثقافية مشتركة تعبّر عن وجدان الناس وتطلعاتهم إلى وطن عادل ومتصالح مع تنوعه؟
لقد أثبتت التجربة السودانية على امتداد تاريخها منذ الاستقلال أن السياسة عندما تنفصل عن الثقافة تصبح مجرد مقايضة مؤقتة وصفقة نخب، لا عقدا وطنيا جامعا فكل التحالفات التي نشأت دون رؤية ثقافية موحدة سرعان ما تفتت عند أول اختبار لأنها لم تتفق على المعنى الحقيقي للوطن ولا على كيفية إدارة تنوعه.
في العقود الأخيرة شهد السودان سلسلة من التحالفات السياسية واسعة الطيف من جبهة الهيئات والتجمع الوطني إلى قوى الحرية والتغيير ومواثيق ما بعد الثورة لكن معظم هذه الكيانات سقطت لأنها قامت على حسابات السلطة وتقاسم المقاعد لا على مشروع ثقافي يعيد تعريف الدولة والمجتمع.
إن التباينات العرقية والدينية والجهوية ليست مجرد فروقات سياسية بل تعبير عن غياب مشروع وطني يعترف بالتنوع ويمنحه مكانته في البنية الرمزية والثقافية للدولة حين لا نشترك في قصة وطنية واحدة يصبح من السهل أن تتغلب الهويات الصغيرة على الهوية الجامعة.
ماذا نعني بالمشروع الثقافي؟
ليس المقصود بـ”الثقافة” هنا الأدب والفنون فقط، بل الوعي الجماعي كيف نرى الوطن؟ من نحن؟ كيف نحسم أسئلة الهوية والعدالة والمواطنة؟ كيف نروي تاريخنا؟ وكيف نتصور المستقبل؟
المشروع الثقافي الجامع هو الذي يضمن أن يكون هناك فهم مشترك لمعاني الحرية والمساواة والتعايش وحقوق الإنسان وهو الذي يمنح السياسة معناها الأخلاقي ويجعلها امتدادا لحلم جماعي لا لتكتيك انتخابي أو صفقة مرحلية.
لقد فشلت أغلب التحالفات السياسية في السودان لأنها تجاهلت هذه الأسئلة. حتى ثورة ديسمبر المجيدة رغم شعاراتها الكبرى لم تفرز مشروعا ثقافيا يجيب على أسئلة “من نحن؟ وماذا نريد؟”. وعندما تسللت الخلافات بين قوى الثورة كان من السهل تفكيكها لأن بنيتها كانت سياسية لا ثقافية
النتيجة؟ عودة القمع انفجار ال ح رب وانهيار الثقة بين المكونات الاجتماعية لأن القاعدة الثقافية لم تُبن بعد. وكأننا نكرر نفس الخطأ نقيم التحالف قبل الاتفاق على الحلم
في نهاية المطاف السياسة بلا ثقافة ليست إلا إدارة زمنية للأزمات وليست صناعة مستقبل هي فن التأجيل لا فن البناء وإذا أردنا تحالفًا وطنيا حقيقيا علينا أن نبدأ من حيث يجب أن يبدأ كل مشروع عظيم من الثقافة.
نحتاج إلى عقد ثقافي جديد يُعيد تعريف الهوية الوطنية ويعترف بالمظلوميات ويضمن المساواة في التمثيل الرمزي قبل التمثيل السياسي عقد يُنتج سردية سودانية جامعة لا مفروضة من المركز، ولا ممزقة على الأطراف.
بدون ذلك سنظل نعيد إنتاج نفس الحلقة تحالفات تتكون ثم تنهار لأن لا شيء يجمعها سوى الظرف السياسي، لا الرؤية المشتركة
Leave a Reply