
في لحظة فارقة من تاريخ السودان الحديث نجحت حكومة الفترة الانتقالية برئاسة د. عبد الله حمدوك في ما يشبه المعجزة الدبلوماسية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بعد عقود من العزلة الدولية الخانقة وبدء خطوات جدية نحو انفتاح اقتصادي عالمي أعاد الأمل لملايين السودانيين في مستقبل أفضل.
كان ذلك ثمرة مجهودات سياسية واقتصادية متواصلة اعتمدت على خطاب مدني عقلاني، وانحياز واضح لقيم الثورة والتزام صادق بمتطلبات المجتمع الدولي من محاربة الإرهاب إلى دعم الحريات والسعي لبناء دولة قانون ومؤسسات.
لكن، لم يهنا السودانيون طويلا بهذه المكاسب فجاء انقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي قاده العسكريون بدعم مكشوف من بقايا النظام السابق و”المتأسلمين”، ليفتح الباب واسعاً أمام انتكاسة سياسية وأمنية واقتصادية. لم تقتصر آثار هذا الانقلاب على الداخل فقط، بل انعكست سريعا في شكل عقوبات دولية جديدة تعليق المساعدات تجميد التعاون الدولي وعزلة دبلوماسية أعادت السودان إلى دائرة الاشتباه والمقاطعة.
واليوم، بعد مرور اكثر من عامين على الانقلاب ها نحن نشهد عودة العقوبات الأمريكية ولكن هذه المرة تحت تهمة أخطر استخدام أسلحة كيميائية خلال الح-رب الدائرة بين الجيش وقوات الدع-م السري-ع. عقوبات تستند إلى قانون الأسلحة الكيميائية والبيولوجية لعام 1991 وتشمل حظر الصادرات وتقييد الائتمانات في مؤشر مقلق يعكس حجم التدهور الأخلاقي والمؤسسي في بنية الدولة تحت حكم من انقلبوا على التحول المدني.
لقد كانت حكومة الفترة الانتقالية تحاول أن تعيد السودان إلى خريطة العالم الاقتصادية وتفتح أبواب الشراكة مع المؤسسات الدولية وتجذب الاستثمارات وترسّخ صورة جديدة عن السودان كشريك موثوق. لكن المتأسلمين، ومن ورائهم حلفاؤهم العسكريون أصروا على قطع الطريق، وإجهاض كل إمكانية لبناء دولة مدنية ديمقراطية.
فماذا يريد هؤلاء من السودان؟
هل يريدونه رهينة للفقر والدمار والعزلة؟
هل يسعون لتحويله إلى ساحة صراع دائم وتغذية الحرب باسم الدين والهوية؟
وهل يكفيهم ما سال من دماء وما تمزق من وطن؟
إن العودة إلى مربع العقوبات بعد أن خرجنا منه بأعجوبة ليست قدرا محتوما بل نتيجة مباشرة لاختيارات قوى الإسلام السياسي التي تتغذى على الفوضى وتعيش على أنقاض الدولة إنها دعوة جديدة لإعادة تقييم التجربة، ومحاسبة من أعادوا السودان إلى الهاوية والتأكيد على أن الحل الوحيد هو مدنية كاملة، وعدالة انتقالية وسلام دائم لا شراكة مع من يختار الح-رب كل مرة ويهرب من الديمقراطية كلما اقتربنا منها.
Leave a Reply