
دكتورة توتا صلاح
سلامُُ على الزاهيات من الأيام وقد ضَمَخَتْ أجواءهن أنغام الخالدين
والرائدات حين تتسرب من الراديو الكبير
وهو يتوسط الصالة أو غرفة المعيشة كما القلب، ضاخًا وناثرًا في شرايينا شلالات معرفة
وضروب فنون ليشكل وجداننا فيُنْبِت الحب
والعشق
والتعلق بكل ما هو سوداني ………
ينطلق صوتُُ
فخيمُُ،
عميق ،
دافئ
للفنانه “منى الخير”، التي وُصِفّت ب”قيثارة الفن” و”سلطانته “…..
ينطلق صوتها متَنَغِمًا،
شاديًا بأغنية ” ااه يا حمام يا زاجل أنا عندي ليه رسائل ” ،
هذا الصوت يفجر بداخلي “ذلك الشيء ” الذي لا يحتاج لكثير جهد حتى يجعل سحائب الدمع ترشق منيّ فهي تنبش ذكريات الأحباب، الوالدين …….
وأنا بعد طفلة كان يَشدني اللحن و يحملني على جناحي دهشة ووَلَع لسبر غور ما لا أفقه من معاني الأغاني !!!!
سألت “والدي” وقد تملكني الخيال والسؤال أن ما هو “يا حمام يا زاجل” ؟؟؟ فأشبع هو فضولي وأطفأ نار ولعي للمعرفة موضحًا بأنه نوع من الحمام كان يستخدم في زمان غابر لنقل الرسائل قبل أن تَطِل أزمنة التلغراف والتلكس والتلفون
أما الإيميل وما رافق ذلك من وسائط تداول المعلومات فقد كان عصيًا حتي علي الحلم.
لم ينسي والدي ان يحدثني بأن ” الحمام الزاجل ” قد عُرِف بعودته دوما إلى موطنه!!!!
إلى جذوره، التي انطلق منها!!!!
أي أن هجرته مؤقتة ،
فالحنين يسوقه عائدًا إلى المنبت
إلى الأرض_الاُم !!!!!
وحاديه أبيات ” محمود دوريش :
(وتسأل: ما معنى كلمة وطن؟
سيقولون:هو البيت،
وشجرة التوت ،
وقن الدجاج
وقفير النحل،
ورائحة الخبز
والسماء الأولى ) …….
منذها نشأ وشاج رقيق بيت الأغنية
واسم “منى الخير ”
ولفظ “الحمام الزاجل”
وذكرى أمي وأبي وهما يتدثران شبابًا
وإلْفَة بأرضٍ تَفْتَرِش زُمُردًا
وتلتحف سحائبًا زرقًا تَسْكُب نداوة
وزَخات خير وعافية احتفاءً بإنسان “الزاندي” الوادع الرائع ……
…..أجدني مفتونة بالذكرى
وأسيرة لدلالاتها
وشواهدها المحسوسة كالخطابات …….
إذ لا زلت احتفظ بخطابات أبي لي في فترة دراستي الجامعية بمصر……… “فأخبأها في خافقي وأترفق بها برًا حفيًا”
أما خطاباته لي في بواكير سِنِيٌ الشتات بأسكتلندا فإيقاعها كان مميزًا متميزًا ، رقيقًا عميقًا ،
حيث لم يترك شيئًا إلا طرقه وأتى بموجبه !!!!!!
حدثني ذات سانحة في خطاب قائلًا ” انتي وأخوانك إذا تنازل أحدكم عن جنسيته السودانية سوف أغضب في قبري”
كان درسًا في العشق والوطن !!!!!
إذ حُق للوطن أن يكون في حدقات العيون…..
كنا في صبانا اليافع نعيش حالة من “الفصل” من “النوع الآخر”
فوسائل التواصل المتاحة مع “الأولاد ” آنئذٍ كانت الخطابات التي شَكَلَت مَنْفَذاً
و متنفسًا لترجمة زخم الوجدان
ونزف العاطفة الدفاقة !!!!!
ذات يوم دراسي تغيبتْ إحدى البنات عن الفصل وتركت ” درجها” غير مغلق ،
فقررت إحدى ” المشاكسات” أن تعتدي على “حرمته ”
فأخرجت “حزمة رسائل ”
كانت ملفوفة بعناية ورفق في ظرفٍ بلون وردي زاهي !!!!!
شَكَل هذا الظرف ذو “اللون الوردي” فَتْحًا أثار تحدبًا و شقفًا لمعرفة محتواه !!!!!! فاخذت تقرأ بصوت مرتفع لبقية الفصل ما ائتلق به قلمُ “العاشق الوَلِه ”
وما جاد به من توصيفٍ “للحبيبة” يتسامق إلى :
عيونِ تختزن كل السحر
والغموض……
وملامح دقيقة لَكأنما نُقِشت بإزميل فدياس”…..
و لونُُ صافي ، رائق ، رقراق …..
هنا هتفت الصبية :
” والله كضاب جنس كضب والله دي ما عزيزة ” وكان هذا اسم الحبيبة ………. فضحكنا وأدركنا أنه خيال عاشق مفتون !!!!!!
ذكرياتي الصغيرةً أجترها !!!!!
و احلم بها ……
و لن اتوب عن أحلامي
لا للحرب
Leave a Reply