
محمد حماد عبد المنعم
خطورة سيطرة النظام العالمي الجديد تتطلب نهضةً لإنقاذ العالم من قبضة أعداء الإنسانية.
إنهيار الاتحاد السوفيتي، وسقوط الأنظمة العربية، لا سيما النظام العراقي بعد غزو واحتلال العراق، واستئثار بشار الأسد بسوريا، إضافة إلى انتكاسات ثورات الربيع العربي وفشلها في تحقيق مراميها… كل هذه التداعيات، بسيرورتها المتسارعة، شكلت انتصارًا حاسمًا للنظام العالمي الجديد، مما أدى إلى استئثاره بالسيادة، وسعيه للتحكم الكامل في السياسات العالمية وتطبيقاتها في شتى المجالات.
ولم تُحدث مطلقًا الدول النامية ردّات فعل حقيقية لمواجهة الأخطار القادمة جراء نتائج وانعكاسات ظاهرة العولمة والنظام العالمي الجديد؛ إذ تمثلت تلك الدول وقومياتها ومثقفوها ومفكروها… إلخ، في التقوقع والانكفاء على الذات، والرفض القاطع للآخر ومنجزاته، بل وشكلت أخطارًا جديدة تمثلت في الحروب الأهلية والعرقية والطائفية، ومظاهر العنف والإرهاب التي انتشرت كالوباء في أصقاع الأرض.
إن الظاهرة المعقدة المستجدة التي أُصطلح على تسميتها بـ النظام الرأسمالي العالمي الجديد، تزامنت معها ثورة لم تعرف البشرية لها مثيلًا منذ الثورة الصناعية، وهي ثورة المعلومات التي اجتاحت العالم بأسره في العقد الأخير من القرن العشرين، وحوّلت العالم إلى قرية صغيرة في فترة زمنية وجيزة جدًا، وعمّت آثارها البشرية جمعاء.
وقد أوجدت هذه الثورة أنماطًا جديدة من السلوكيات للأمم والقوميات والجماعات والأفراد، في مختلف أوجه الحياة: السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية، مؤكدة وحدتها العضوية. وقد زادت هذه الثورة من اتساع الهوة بين: أغنياء العالم وفقرائه / بين المحظوظين والمحرومين / بين الدول المصنّعة والدول النامية / بين الدول القادرة والدول القاصرة. فأصبح 80٪ من الدخل العالمي في أيدي 12 دولة فقط، في حين توزعت 20٪ على بقية الدول، بما فيها الصين والهند. وفي خضم تسارع وتيرة التطور، ازدادت الدول المتمكنة انطلاقًا، وبدأ أمل الآخرين في اللحاق بها ضئيلًا للغاية؛ وهكذا أفسحت “ثورة المعلومات” المجال للقوى القادرة والمتقدمة للسيطرة على مقدرات البشر وقدراتهم وممتلكاتهم ومَلَكاتهم.
هذه التحولات في المشهد العالمي في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، هي ما أُصطلح على تسميته بـ العولمة، وهو نظام تسعى فيه الدول القوية لبسط هيمنتها وفرض سيطرتها على الشعوب النامية، إضافة إلى وكلائها المحليين، في المجالات الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، والسياسية. فالعولمة والثورة المعلوماتية تمثّلتا في زيادة تشابك علاقات الترابط بين العالم، وتعميقها وتسريعها وتأثيرها في الاقتصاد، والسياسة، والهجرة، والثقافة والفنون، والقانون… مما أوجد نظامًا عالميًا جديدًا قائمًا على سيادة سلطة الشركات المتعددة الجنسيات، وإخضاع الاقتصاد العالمي لخدمة هذه الشركات، وتوحيد السوق العالمية لصالح الدول القوية، وتشريعات حرية التجارة والاستثمار في الدول النامية. صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، والبورصة العالمية أمثلة على ذلك.
لا شك أن العالم اليوم يمر بتحولات هائلة، ويشهد حروبًا وظلامًا دامسًا، وأزمات مالية واقتصادية بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية وانتشرت في أصقاع المعمورة. فظاهرتا العولمة والثورة المعلوماتية الكاسحتان شكّلتا ملامح العقدين الأخيرين من القرن العشرين، والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ومطلع عقده الثاني، وهما ظاهرتان مترابطتان: فالنظام الرأسمالي الإمبريالي الذي يرتكز عليه النظام العالمي الجديد هو مُطلِق الثورة المعلوماتية، وهو الممسك بزمامها… وهذه الثورة المعلوماتية تتضمن فيما تتضمن عناصر ثقافية قوية، وإن لم تكن منفصلة عن العناصر الأخرى، التي تشكل مضامين هذه الثورة.
ومن هنا، أدركت بعض دول العالم ومثقفوها أن هذه الثورة المعلوماتية الكاسحة تشكل خطرًا لم يسبق له مثيل على الثقافات المحلية والقومية، وعلى مفهوم القوميات تحديدًا. فالنظام الإمبريالي الرأسمالي الاستعماري الحديث يسعى، بوسائل الاتصال الحديثة، إلى فرض نمط واحد من الحياة، والقيم، والمبادئ، والذوق العام على بقية شعوب الأرض؛ بل حتى اللغات المحلية والقومية نفسها أصبحت مهددة بالخطر أمام لغة قطب النظام الإمبريالي الرأسمالي السائدة في وسائل الاتصال الحديثة.
أخيرًا:
إن التحديات التي حملها العقدان الأخيران من القرن المنصرم واجهت الشعوب في الدول النامية بتحديات جمّة؛ تمثلت في تهديد الذاتيات الثقافية، والفقر، والجوع المدقع، والتفاوتات الكبيرة بين دول العالم في مناحي الحياة كافة، والشعور بالعجز والتصاغر والانْسحاق، وتهديد بقاء الشعوب واستقرارها بإشعال الحروب والعنف والانتقام… وهي ردّات فعل طالت حتى الدول القوية في عقر دارها، كما برهنت الأحداث.
ولهذا، فإن الخطر سيف ذو حدين، مسلط على العالم بأسره في وقت واحد.
وفي ظل هذه المستجدات الماثلة على الساحتين العالمية والإقليمية، تعيش الشعوب النامية – ومنها الأمة العربية – منعطفات تاريخية خطيرة تقف حائلًا أمام مواجهة تحديات مصيرية بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ.
ولعل من أول شروط الاستجابة لهذه التحديات:
1️⃣ العمل على تحقيق نهضة ثقافية عربية تستند إلى رؤية علمية للواقع بمستوياته المحلية، والإقليمية، والعالمية.
2️⃣ الارتكاز على فكر نقدي واعٍ ومنطق حداثوي معاصر يعتمد العقل في مجالات عمله، ولا يخلط بين عالمي المادة والروح.
3️⃣ الإيمان القاطع بحرية الفكر والتعبير كشروط أساسية للإبداع، وبالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، سبيلاً لتحقيق التنمية البشرية والمساهمة في إخصاب وبعث الحضارات وإنقاذ الإنسانية.
المصادر المعتمدة في المقال:
1. نقد ظاهرة العولمة – سلسلة كتاب الأمة
2. مقالات من مجلة العربي تناولت ظاهرة العولمة والثورة المعلوماتية
3. مقالات من صحيفة الهدف – لكتّاب من شتى الأقطار
4. مجموعة نقاشات – فُضِّل حجب أسمائهم
5. مؤتمر التحولات الثقافية – كُتيب يحوي مقالات لمجموعة كُتّاب من الأقطار العربية
#الله_غالب
Leave a Reply