من تحت الأنقاض

علي الحميدي الترياق
كاتب من اليمن

من يواسي ذلك الطفل، أزرق العينين شاحب اللون، بثيابه الرثة البالية، وشعره الأغبر هائم بين أنقاض بيتهم، الذي هدمته طائرات الاحتلال على رؤوس والديه وأخوته،
يبحث بين الأنقاض عله يجد أشلاء أحدهم يواسي بها نفسه، التي شاخت قبل أونها لا يرى إلا نار ودخان يصعد إلى السماء، وكأنه أرواح عائلته، التي قضت تحت الأنقاض،
رائحة البارود تختلط برائحة الدماء تتسرب روائح الموت إلى الأنفاس، وحل من الدماء تنزلق الرجل فيه منظر تعجز المفردات والحروف والجُمل والكلمات أن تصفه،
ليس بيته الوحيد الذي دمر في هذه اللحظات
بل عشرات البيوت هدت على رؤوس ساكنيها المغلوبين،

لا صوت إلا صوت النوائح والثكالى وأنين الأطفال،
عزرائيل يتنقل بين الركام يوزع الآجال، تصعد الأرواح إلى السماء كتائب بانتظام تفد إلى خالقها وبارئها

يتكور الطفل على الأنقاض ينوح كحمامة، يئن بحرقة، يختنق كأن الانقاض سقطت على صدره الصغير، عيناه غارقتان بالدموع وهو يتذكر عائلته والسعادة، التي عاشها معهم وما آل إليه مصيرهم المحزن.
من يواسيه وبما يواسيه ما أصعب الفقد وما أوجع الفراق، تنطفئ الحياة، يغشى العيون ظلام فاحم والشمس في وضح النهار

لقد بلغ الحزن مداه، انطفأت أنوار الحياة، لم يعد للعيش رغبة، ولا للموت رهبة، أين تلك الابتسامة والضحكة، التي تملأ البيت؟ لقد ذهبت ولم تعد بل لن تعود أبدًا
تدنو الشمس وتنحدر على عجل وكأنها على موعد لصلاة جنازة على تلك الأرواح، التي فارقت مسكنها
تلك الأجساد الجميلة صارت قطع لحم ودم تحت كل حجر من أحجار البيت
يطوي الليل صفحات النهار البيضاء ويفتح أشرعته السوداء لتبحر سفينته على سطح الكوكب الظالم، يزداد الليل سواد وظلمة، تحلق بومة بين الأنقاض تنعب تعزي اليتامى والأيامى والثكالى،
لقد جفت عينيه، ونحت الدمع مجرى على خديه شاخ وهو طفل، يحمل أثقال تقسم ظهر البعير، رأسه الصغير غارق في بحر من الأحزان، التي تشعل نيران لا تطفأها بحار الأرض كلها
لقد كان مؤلمًا جدًا، لقد تحمل عناءً وشقاءً، لو وزع على أهل الأرض، لشغلهم وكدر صفوهم،
يتوسد أنقاض البيت، يلتحف السماء غارق في بحر الحزن يناجي الله بكل شيء، البرد قارس، رجلاه ترتعشان من البرد، أسنانه تلتصق ببعضها وترتعد.

هل لهذا الليل من براح، هل يعقبه صباح،
لا تتزحزح نجومه من مضاجها هل نامت، أم إنها حارت في ظلمه الليل وتاهت.

اللهم أحفظ فلسطين وأهلها.