
مجدي علي
عندما اختار الشاب محمد فيصل الجزار أن يلج دنيا الفن في مطلع الألفينيات كانت الساحة الفنية حكرًا على مدارس محدودة في الغناء القائم على فكرة التقليد وترديد أغاني الرواد بطريقة مختلفة، أبرز هذه المدارس كان يتزعمها ملوك الشباك يومها محمود عبد العزيز وجمال فرفور، اللذين شكلا بحضورهما الصاخب المرجعية والخلفية الجديدة في الغناء، والعباءة التي لم يخرج من ظلها كل قادم في درب الغناء..
وقد أدرك الفتى منذ البداية أن المنافسة في ظل هذا الواقع الذي سمته التشابه والتكرار لن تتأتى له ما لم يختط لنفسه مسارًا فنيًا خاصًا، يجعل منه إضافة وليس مجرد مؤدي.. عاملان حاسمان أسهما في نجاح الجزار أن يحجز مقعدًا مميزًا ومتفردًا في حلبة الأنماط الفنية السائدة، الأول أن الفتى شغوف بالموسيقى، شغف قاده إلى الهجرة إلى القاهرة لدراسة التوزيع الموسيقي وهندسة الصوت، مما منح تجربته بعدًا علميًا وتقنيًا مختلفًا، إذا ما أضفنا إلى ذلك تمتعه بخامة صوت جميل ومتفرد، الأمر الآخر الذي ميز الجزار أنه قد صاغ لنفسه مسارًا فنيًا خاصًا، تميز بحرصه على التجويد وتوظيف التكنولوجيا في الموسيقى، وهو ما أسهم في تطوير البنية الفنية لأعماله، وما قاده أيضًا إلى إحداث نقلة نوعية في الأغنية السودانية الحديثة، من خلال تجديد الألحان وتحديث التوزيع، وهو أحد أبرز مؤسسي فرقة سودانيز باند الموسيقية. لذلك لم يكن ظهوره مجرد مغنٍ، وإنما سطع نجمه وهو ملحن وموزع موسيقي، وهذا ما مكنه من كسر النمطية الفنية السائدة بتقديم أعمال غاية في الإبداع، مستفيدًا من دراسته ومعرفته بالموسيقى الشرقية والغربية ليضفى على أعماله نكهة عصرية مختلفة، جعلت أفئدة الشباب تهفو إلى ما يقدمه كفنان مختلف…
ما يحمد للجزار أيضًا اهتمامه بنسج علاقات ناجحة مع عدد من الموسيقيين والشعراء والفنانين، وقد شكلت هذه الثنائيات وأبرزها مع الشاعر محمود الجيلي والموسيقية سامية الهندي والموزع الموسيقي طريف حجر الأساس لنجاحات أخرى مع الفنانات نسرين الهندي وأفراح عصام، والفنانين طه سليمان ومعتز صباحي وحسين الصادق، ثم ثنائيته الأهم مع الفنان الشاب حسين الصادق، الذي يؤكد المقربون أن الجزار هو من دعمه في بداياته ومهد له طريق الظهور والشهرة. كما امتدت شراكات الجزار إلى خارج السودان، من خلال تعاونه مع الفنانة الإثيوبية حليمة، في عملٍ مزج فيه بين المقامات العربية والسلم الخماسي.
الجزار الذي عرف في الوسط الفني بالاحترام والتميز والابتعاد عن الخلافات والصراعات، نال شهرة كبيرة بأغنيات مميزة في اللحن والتوزيع، كما قدّم المديح في قالب عصري جعل لـ “مكاشفي القوم”، شهرة عربية وإفريقية. كما استعانت به كبرى المؤسسات فقدم لإعلاناتها أفكار ورؤى مميزة ما عزز من شعبيته وزاد من معجبيه.
برحيل الفنان محمد فيصل الجزار، صباح الأربعاء 14 مايو 2025 بمدينة القضارف بعد رحلة فنية قصيرة لكنها غنية بالإبداع والتفرد، فقدت الساحة الموسيقية السودانية تجربة موسيقية مختلفة أسهمت رغم الجدل حولها في تجارب تجديد الأغنية السودانية.
Leave a Reply