التكايا والمنظمات الطوعية في فوهة مدافع الردة

في وقت تسلمت فيه غرف طوارئ السودان، جائزة الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان، لدورها الإنساني الكبير، منذ بداية الحرب ، في وقوفها مع المواطنين المتضررين من الحرب، بتقديم خدمات الطعام عبر التكايا ، والعلاج وإجلاء آلاف النازحين من مناطق الحرب، والعمل على تأسيس مراكز الإيواء في مناطق آمنة ، أصدر والي الخرطوم قراراً بإيقاف المطابخ والتكايا والمستشفيات والمدارس وآبار المياه، التي تدير تشغيلها غرف الطوارئ. وقد أثار القرار الذي صدر يوم 12 من الشهر الجاري ردود فعل متباينة. ففيما انفردت غرفة طوارئ جنوب الحزام والغرفة القاعدية التابعة لها، بالترحيب بالإجراءات التي قالت إنها تهدف إلى تنظيم العمل الطوعي، وتعزيز الشفافية، ومعرفة الجهات العاملة بوضوح، حمايةً للمواطن ، وتمييزاً بين الجهد الصادق والممارسات السالبة، رفضت كل من الحركة الشعبية شمال،التيار الثوري، وحزب المؤتمر السوداني، القرار . وكتب ياسر عرمان رئيس الحركة، تحت عنوان “والي الخرطوم أسد على التكايا والطوارئ!”، متسائلاً :هل من الأولوية نقل معاناة المدنيين أولاً أم دعاية الحرب؟ واستطرد قائلاً : أن “والي الخرطوم” الذي لم يستطع استعادة كامل ولايته بعد، ولا تزال الحرب على أطراف أمدرمان، يصدر قراراً غريباً، يكشف ولاءه وتنفيذه لأوامر (الجماعة) وشيوخها ، وفساد بيعها وكيلها، بدلاً من الاهتمام بالخدمات، والبعوض (الناموس) الذي ينهش أجساد المواطنين والوبائيات، وبدلاً من زيادة مطابخ الطعام والتكايا ، ومعاونة لجان الطوارئ ، هذا الفلولي، بامتياز، يقف ضدها ويستهدف من يغيثون الناس ، ويعالجون المرضى، ويقدمون الطعام ، ويجعل منهم عدوه الأول ! ياله من بائس وأسد على التكايا وفي…….!”
ومن جهته ، أعلن فرع حزب المؤتمر السوداني، بولاية الخرطوم، رفضه لتلك القرارات . وأشار في بيان له صدر يوم 14 من هذا الشهر، إلى أن هذه الغرف شكلت خط الدفاع الأول في وجه الأزمة الإنسانية، منذ اندلاع الحرب، مضيفًا أن القرارات، التي وصفها بـ “الكارثية”، لاتعبر سوى عن استخفاف بمعاناة المواطنين ، ومحاولة لتقويض أي جهد شعبي أو مدني يسد ثغرات انهيار المؤسسات. وأدان طرد الكوادر الطبية والإنسانية من مستشفى بشائر، ووصف الحادثة بأنها تمثل امتداداً لنفس العقلية، التي تضع الحرب قبل حياة الناس ، وأشار البيان إلى أن غرف الطوارئ والتكايا الشعبية، تقوم بعمل الدولة الغائبة من علاج وإنقاذ للأرواح ، وتوفير للغذاء والخدمات، في وقت تفرّغت فيه السلطة لفرض الإتاوات، ونهب الموارد، وإذكاء الحرب. ودعا جميع قوى الثورة ولجان المقاومة ومنظمات المجتمع المدني للتصدي لتلك القرارات، التي وصفها بالجائزة ، بكل الوسائل السلمية والمدنية المتاحة.
إن قرارات والي الخرطوم لا تتماهى مع خط عدائي تتبناه فلول النظام المقبور المتحالفة مع الجيش، تجاه قوى الثورة ، وفي مقدمتها لجان المقاومة وشباب الثورة، حيث سجلت العديد من الوقائع بولاية الخرطوم ، وفي الأقاليم ، وحسب، بل إنه يتزامن مع حملة جارية تستهدف أعضاء الطواريء ، في الولايات. كادوقلي والنهود أيضاً. فوفقاً لصحيفة ” دروب ” ، الإلكترونية ، بتاريخ 15 مايو 2025، فقد اعتقلت استخبارات الجيش 6 متطوعين ، في غرفة طوارئ مدينة كادوقلي ، بولاية جنوب كردفان ، منذ مطلع الأسبوع الجاري ، بتهم التعاون مع الحركة الشعبية لتحرير السودان ، ليرتفع عدد المتطوعين المعتقلين لدى الجيش في كادوقلي خلال أسبوعين ، فقط ، إلى 10 أشخاص بينهم طبيب ، فيما تجري ملاحقة متطوعين آخرين ، بهدف اعتقالهم ، وفق قوائم أسماء محددة .
ومن جهتها أفادت صحيفة ” الهدف “، ضمن تقرير لها عن معاناة السكان والنازحين في كادوقلي ، بتوقف نشاط المنظمات الدولية والوطنية، العاملة في المجال الإنساني ، بقرار من حكومة الولاية لفترة تجاوزت الشهر، دون مبرر. وقد حدثت وقائع مماثلة في العاصمة، الخرطوم ، منها اعتقال شباب غرفة طوارئ الجريف، سبقه اعتقال شاب من طوارئ السامراب . وقبل اقتحام قوات الدعم السريع لمدينة النهود، قامت عناصر تابعة لما يُعرف بـ”استخبارات المستنفرين” ، تحت غطاء “اتحاد دار حمر” ، المرتبط بالنظام البائد ، باختطاف وإخفاء 4 من تروس غرفة طوارئ النهود . وتم احتجاز المعتقلين في استراحة فريق حيدوب الرياضي ، التي تم تحويلها إلى مركز اعتقال غير رسمي، حيث تعرضوا لتعذيب ومعاملة قاسية ومهينة ، وفق بيان صدر بهذا الخصوص ، أوضح أن استهداف الشباب تم على خلفية رفضهم لمحاولات ابتزاز مفوض العون الإنساني، الذي طالبهم بنسب مالية من تبرعات المنظمات، كما ورد في بيان المجلس الأعلى لشؤون دار حمر ، الصادر بتاريخ 23 أبريل 2025.
وتزامن ، اخيرا ، مع استشهاد رئيس فرعية المؤتمر السوداني بمدينة٢٤ القرشي ، وهو أحد الناشطين في المجال الطوعي والخدمي ، تحت التعذيب ، حسب بيان للحزب ، في العاشر من الجاري.
وفي إطار مخطط للعودة للسلطة ، تخوض الفلول حربا داخل الحرب الجارية ، ضد قوى الثورة لاستئصالها ، ومن ثم تنشط في الخطوط الخلفية للجيش في تصفية الناشطين من عناصر الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ولجان المقاومة ، بتهم باطلة ، لا أساس لها تتمحور حول التعاون مع الدعم السريع ، وهي تسعى لاستكمال عودة عناصرها لموقعها داخل أجهزة الدولة ، بمسعى اضافي بالهيمنة على المنظمات الطوعية ، بما فيها التكايا والمطابخ التكافلية ، بذريعة التسجيل ، ووضع اليد على مواردها المالية.
ويتخذ والي الخرطوم من التسجيل ذريعة لحل المنظمات الطوعية ، في وقت لازالت الحرب مستمرة ، وحكومة الأمر الواقع تواصل هروبها ولجوءها إلى بورتسودان، تاركة المواطنين تحت رحمة الحرب وويلاتها ، وعجزها عن تقديم أي حد من الخدمات الضرورية التي يحتاجها المواطن.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.