
بقلم: محمد ضياء الدين
في ظل التحولات الكبرى والأحداث المتسارعة، التي تشهدها البلاد، حيث تلقي الحرب بظلالها القاتمة على الواقع المعيشي والإنساني، تبدو الحاجة ماسة لإعادة الاعتبار لمفاهيم مهمة في العمل السياسي مثل *الوعي الثوري والمرونة الثورية* كضرورة حتمية لضمان استدامة الحراك الثوري، ووحدة قوى الثورة . فالوعي الثوري لا يقتصر على ترديد شعارات انتفاضة ديسمبر الثورية المجيدة، هو فهم أعمق لجذور الأزمة المتأصلة في البنية السياسية والاجتماعية، وإدراك لطبيعة الصراع، الذي يحاول إعادة إنتاج منظومة الحكم القديمة تحت عباءة الحرب. الوعي الثوري هو البوصلة، التي تكشف زيف الحلول الترقيعية، التي تتعامل مع أعراض الأزمة بشكل سطحي، الوعي الثوري هو الكفيل بترتيب الأولويات لصالح التغيير الجذري.
أما *المرونة الثورية*، فهي نتاج الوعي الثوري، ولا تعني الانكسار أمام تعقيدات الواقع. إنها فن التحول الاستراتيجي في خضم المعركة وتداعياتها. ففي مشهد تتصارع فيه الأجندات المحلية والإقليمية والدولية، وتُستغل الحرب لإجهاض تطلعات الشعب السوداني، تصبح القدرة على تطوير أدوات النضال شرط أساسي لديمومة الثورة وحضورها في المشهد السياسي رغم أنف الحرب. فالتكتيكات، التي أسهمت في إسقاط النظام السابق ليست كافية وحدها لمواجهة التحديات الراهنة، التي تفرضها الحرب. هنا لا بد من استحداث وسائل مبدعة في أساليب المقاومة الشعبية، وتوسيع نطاقها ليشمل أدوات جديدة كالمنصات الرقمية للتواصل والتنظيم، وكشف الحقائق، ودعم المبادرات الإغاثية والإنسانية، مع إعادة صياغة خطاب لا للحرب ليصبح موحدًا ومؤثرًا، بحيث يكون هو الفعل، لا ردَّة الفعل. هكذا تُصبح المرونة المطلوبة جسرًا بين قوى الثورة مع ثبات المبادئ وحركية التكتيك، خاصة في مواجهة أدوات الثورة المضادة المتخفية وراء خطابات الكرامة والتجييش، التي أثرت على الكثير من الثوار.
إن التوازن بين الوعي الثوري والمرونة الثورية لا يتحقق إلا عبر *الوعي الجمعي*، الذي يربط النضال اليومي بأفقه الاستراتيجي. فمشاريع بناء السلام المجتمعي، وتوثيق الانتهاكات، وحتى المبادرات الفئوية والإغاثية والإنسانية، ليست أعمال منفصلة عن السياسة، بل هي أدوات لتعزيز التماسك الاجتماعي وتجذير الثورة في الوعي الشعبي. هنا تبرز أهمية قراءة المشهد بذكاء ومرونة ثورية ذات بعد مبدئي، لتحديد مناطق الالتقاء (القواسم المشتركة) بين مختلف القوى المنادية بإنهاء الحرب، مما يشكل خطوة متقدمة نحو بناء جبهة مدنية شعبية عريضة، قادرة على مجابهة قوى الثورة المضادة واستعادة مسار التحول المدني الديمقراطي.
إن التحدي الأكبر يكمن في إدراك العلاقة بين *(الثبات على المبادئ)* *و(الواقعية السياسية)*، من خلال فهم عميق لمفهوم جوهري يضع *(التكتيك في خدمة الاستراتيجية)** ويمنع بذلك ما يسمى الغرق في التكتيك على حساب ما هو استراتيجي. فالثورة ليست شعارات تُرفع، بل مشروع يبني نفسه يوميًا عبر وعي ثوري يستوعب دروس الماضي ويبتكر حلولًا للمستقبل.
صحيح أن المشهد السوداني يبدو مُحبطًا اليوم، لكن التاريخ يُعلمنا أن الثورات لا تتراجع إلا عندما يصبح الحس الثوري رغم أهميته أعلى من الوعي الثوري، وعندما يفقد الثوار قدراتهم النضالية على تحويل الأزمات إلى منصات تنطلق منها الثورة نحو الأمام .
السودان اليوم أمام امتحان وجودي، إما أن تثبت قواه الحية قدرتها على تحويل الإحباط إلى إرادة عبر الوعي الثوري والمرونة الثورية، وصولًا إلى مجتمع ثائر وثورة حاضرة ضد الحرب ودعاتها، أو أن تكرر أخطاء الماضي التي حوّلت الانتصارات إلى مسرح للانتكاسة.
Leave a Reply