هنا أو هناك.. لا أُهمِلُ النَّافذة

بابكر الوسيلة
(1)
فرِحٌ بأنِّي قد بلغتُ الآن
بستاناً من الذِّكرى لأعيادي..
فرِحٌ بميلادي
وقلبِ حبيبتي..
فرِحٌ بأشجاري
وهُويَّتي تمشي الهُوينى على قلقي وناري
فرِحٌ بهاويتي أمام الله..
هواية الأحزان في بلدي وداري.

فرِحٌ بخَيلِ قصيدتي الخضراء تصهلُ بالحياة على نواصي النَّهر
معركةً على أيدي الضِّفافيِّين
ساقيةً لأسراري..

فرِحٌ ببَهٍوي،
بهواء نافذتي بقلبي السَّهل..
وبناتِ زهراتي عصيرِ النَّحل،
أفكاري..
فرِحٌ بأولادي.

عانقتُ كلَّ قصيدةٍ رسمتْ مساري الحُرَّ
سمَّتني المعذَّبَ والمُتيَّم
وبكيتُ آهِ بكيتُ
يا وطني المهذَّبَ والمُيَتَّم..

فرِحٌ بميلادي..
وفي تحديد معنى الحبِّ والذِّكرى
أطفأتُ في هذا المخيَّم..
شمعةً أخرى
وايمُ الله ما نسِيَتْ بلادي
أن تجيئَ بعطرها الشَّعبيِّ بين رصاصةٍ ورصاصةٍ
وتُهديَني مع الأحضانِ عُمرَ حبيبتي
وايمُ الله هَوناً ما نسِيتُ مُصيبتي..
فالنَّارُ ناري
والرَّمادُ رمادي.

فرحٌ بميلادي
ومنشرحٌ بصاحبتي وأصحابي
فرحٌ بكلِّ حديقةٍ
شبَّت على الأيَّام رغم حرائقي الكبرى
سمَت.. واستبسلت بدمي
فالماءُ مائي
والتُّرابُ ترابي.

فرِحٌ بماء النِّيل يَرقصُ في ضفاف النِّيل
منتمياً لأرض النِّيل،
لا يُحدِّثُ في الحُضُور ولا الغيابِ،
ومطالعُ الأملِ الكبيرةُ
تقرأ الدُّنيا
وتَفتحُ في مدى الآلام بابي.

فرِحٌ بميلادي.
ُأُجدِّدُ صرختي لحياة شخصي..
وشخصي في الحياة
ضياءُ قُرصي
هذا كلُّ ما أسعى،
وأريدُ من سعتي ودمعي اللَّاإرادي
(2)
السَّماوات عمياء..
واللَّيلُ في آخِر أشواقه تحت كأسِ الوحيد..
هل ستُمطرُ الآن؟
ليس لي من ملاذٍ سوى رعشةِ الشِّعرِ،
وإنَّ غطائي بعيد

هل ستنسحبُ السُّحبُ الرَّماديَّةُ
بين يديَّ،
إلى الأبد الاستوائيِّ وراء الغيوم؟
أم تتنزَّل فوق منازلِ نفسي وراء التُّخوم؟

(3)
أنا آخَرُ..
لا رجُلٌ لا امرأة.
ليس خُنثى..

ولستُ برُغمِ حشائشِ ماهيَّتيَ شَجَرة..
أنا لستُ من فَرط دُونِيَّتي حشَرة..
لا، لم أكنْ في أول العمر زهرة..
ولستُ جدولَ ماء..
ولستُ سيَّد قلبٍ على الحبِّ
يصلُحُ للذِّكريات..
ولستُ صاحبَ حجرٍ في الضُّلوع ولا شاعراً..
ولا كائنَ أرضٍ
ولا كيانَ سماء.

أنا آخَرُ..
لستُ أََفْهمُهُ
لستُ أََعْرِفهُ..
آخَرُ.. لا أََراهُ ولا أُرِيه،
آخَرُ.. لستُ أَكرَهُهُ.. لكنَّني في كلِّ مُكرَهةٍ أَزدريه.
(4)
خرجت مياهُ النِّيلِ من أمواجها الأولى
كأنْ ضلَّتْ على الطِّينيِّ مجراها،
على الإنسان مسراها،
وذكراها على شجرِ الطُّفولة.

فبأيِّ آلاء الصُّراخ..
أُعيدُ خريرَ أيَّامي بهفهفة البدائيِّين من أمثال أمِّي
وأُعيدُ زهرةَ وجهها الخضراءَ
في هذا المناخ..
وبأيِّ أسماء الرِّياح
أشُدُّ راياتي على أيدي الجماعيِّين من زُمَلاء روحي
أمشي على هذي الجراح..!
ما ماتتِ الدُّنيا عليَّ ولكن شُبِّهَ اللَّحدُ
ما متُّ بعدُ
وها هيَ الذِّكرى تنامُ ولم ينَمْ في قُربها
البُعدُ.

فبأيِّ أنواءِ الرِّجال
يهزُّني الرَّعدُ..
وبأيِّ أنواع النِّساء
يَضمُّني الوعد..؟!

كُسِرت حياةٌ في ليالي الأصدقاء..
كُسِرَ الكلامُ وجفَّ في رئتيَّ صوتُ حديقةٍ خضراء
لكنِّي مع الأيَّام لا أنسى الغناء..
لكنِّي مع الآلام والآلام،
لا أتذكُّرُ فيَّ على ساحة الاعتصام
غيرَ النِّساء.

(5)
مَن يكتبُ الشِّعرَ عنِّي؟
أنا أمْ جسدي المتمكِّنُ في المشاوير؟
ومن يَرسمُ ظنِّي..
سوى ريشةٍ من ظلال المقادير.

تعِبتُ من الأصدقاء..
سوى واحدٍ كان يُعاتِبُني على ضحكةٍ
عند الأعاصير
ويَتْبعُني في المصير.

كأنَّ الَّذي كان يعيشُ فيَّ المماتُ.
الصَّدى والذِّكريات.
يئِسَ العمرُ منِّي
لكنَّني أبداً ما يئسْتُ
ولا يئسَتْ
في بلادي الحياةُ.

(6)
كبُرتُ مع الموتِ في بلدي..

كلُّ ما أطلبُ الآن
فوق الرَّصاص:
هو أغنيةُ النَّاس..
بين السَّـلامِ على الأرضِ يا سادتي،
والسَّلامةِ في الكبرياء.

كبُرتُ مع الحُلْم يا ضفَّة الشُّعراء..
كبُرتُ مع النَّبع..
وصرتُ نبيَّاً لآخِرِ صرخةٍ في دم الشُّهداء

كبُرتُ مع الحب..
كانوا يمنُّونني أن أعيشَ طويلاً
برغم ضعف الحياة..
وكانوا يتمنَّون لي
أن أتكوُّنَ في رحم الأرض
مثلَ الينابيع،
جدولاً في وطني،
جدولاً لا يخون الحديقة.

أعرِفُ أنَّ العالمَ مات..
لكنِّي أحتاجُ لبعض الصَّمتِ
لكي أهمسَ في أُذن الحُزنِ
ببقيَّةِ ما علِقَ على الرُّوح من الكَلِمات.

(7)
مات شخصٌ عزيزٌ عليَّ الآن
لا أتذكَّرهُ جيِّداً
ربَّما كان ممَّن تناسيتُه في الحياة بين المَمَر..
لكنَّه سيظلُّ عزيزاً عليَّ
مهما ادلهمَّت حياتي في شتات العَمَى بالعُمُر.
(8)
في الصَّباح..
تَخرجُ البُيُوتُ للحياةِ،
تَعملُ الوُرودُ في محبَّة الحديقة.

في المساء..
تدخلُ الحياةُ للبُيُوتِ،
مستحمَّة برغوة الحقيقة.

(9)
أسكُنُ الآنَ في مكانٍ لا أعرِفُهُ،
لكنَّهُ من تفاصيل وحشتي يَعرِفُني
ويَعرِفُ رَعشةَ الحُزنِ الَّتي تعتريني
وتَعزِفُ وطني….

المواويلُ آهِ المواويل..
شربتُ آخِرَ ليلٍ من النِّيلِ،
لكأنِّي كنتُ أَغرِفُهُ
وأخطفُ هذه اللَّحظةَ من بقيَّةِ زمني.
……
……
……
عند نفسِ المكانِ كنتُ تشجَّرتُ
تعرَّفتُ على الماء في جسدي لأوَّلِ مرَّة..
تعرَّفتُ على الشِّعرِ، عُشباً،
وتعارَفنا أنا والحزنُ
قيثارتان تموسقتا في الإشارة..
بينما لا ضَوءَ يبدو في خيالِ المجرَّة..
لا شاهداً أو بشارة.

فها أنذا الآنَ
أسكُنُ في المكانِ الخطأ..
في الزَّمانِ الصَّدأ..
ولا شيءَ يَبْلُغُ حُزْني،
ولا مَن يُبلِّغُ عنِّي صدى المُبتدأ.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.