
بقلم: صالح اشواك
كل من كان في عينيه قذي سوف لن يرى بوضوح طبيعة الصراع السياسي الذي كان محكوم بثائية الدين واللغة في إرتريا قبل أن تأتي تراها القوميات واللغات !! التي كانت عبارة عن قوالب الهدف منها نقل الصراع إلى الطرف غير المسيحي الذي يمتلك ثقافة ودين واحد بينما أغلب المكونات الاجتماعية تم وضعها في قوالب أكبر و أوسع من كونها قبائل في قوالب قومية لشغلها بذاتها وحتى تتمكن ثقافة الحاكم من الاستحواذ على السلطة.
منذ مرحلة النضالي السلمي تم تحديد مسار الصراع فكان صراعاً ثقافياً محكوم ببعد ديني ولذلك اختار المسلمون اللغة العربية لتعبر عنهم في إطار دستوري بينما أختار المسيحيون اللغة الخاصة بهم لتعبر عنهم، ربما هناك الكثير من المعطيات دفعت بلغتهم بأن تكون حاضرة في المشهد منها بطبيعة الحال الرغبة البريطانية في وضع قالب الثائية كرافعة لرؤيتها القائمة على التقسيم وكذلك دخل معطى جديد هو الأطماع الأثيوبية والتي وظفت الكنيسة نتيجة القلق الذي كان يعيشه المقبور هيلي سلاسي من وجود ثقافة عربية في إرتريا تبدد أحلامه في ضم إرتريا لذا عمل بصورة ممنهجة على تغذية هذا الصراع عبر أدوات دينية وأمنية.
ولعل من يعرف الخارطة الثقافية يصل إلى قناعة مطلقة بعلو كعب اللغة العربية من حيث إصدارات المجلات الجرائد والمعاملات الرسمية في الدوائر العدلية والقضائية والدوائر ذات الصلة بمصالح المواطنين .
وحتى في العهد الاستعماري لم يكن للتجرنية أي وجود معرفي و أكاديمي حيث كان التدريس باللغة الأمهرية في انقلاب واضح على بيادق الصراع الإرتري الإرتري من الشركاء بينما ظلت اللغة العربية موجودة في المسارات التعليمية في المعاهد الدينية وفي مدرسة الجالية ومنداحة في التعليم الأولي الخلاوي وغيرها.
وفي محاولة لإعادة مسار الصراع إلى سياقاته التاريخية في عهد النضال التحرري تم توظيف اللغتين العربية والتجرنية في كل التنظيمات الوطنية بما فيها الجبهة الشعبية وهنا أيضاً من المهم الإشارة كانت الحاجة ملحة لاعتماد العربية في تعريف المحيط العربي بنضالنا التحرري لذا الإصدارات الإعلامية الموجهة للخارج تصدر بالعربية ولعل يوميات النضال في الجبهة كانت باللغة العربية.
لعل أول من سعى إلي طرح موضوع (اللغات المحلية) وتطويرها كان تنظيم جبهة التحرير الإرترية ولعل المنطلقات كانت عبارة عن هواجس من سيطرت اللغة العربية على المشهد الثقافي وبالتالي يمكن أخذ الموضوع من منطلقات فكرية وأيدلوجية وهنا كانت الكارثة وكانت بداية النخر في جسم تنظيم سياسي ولد عملاقاً وتعملق في أدواته النضالية غير أن بعض القصور النوازع الذاتية التي لازمت قيادته كان لها الأثر في ما آل إليه حالنا وهذا شأن أخر يحتاج إلى بوست منفصل ولعل نزوع مؤسس مجموعة نحنان علامانا وجد في الأمر ضالته ليعبث بمكامن القوة لدي المسلمين بعد أن سعى إلى جعل الحديث عن عملية تتم في إطار سعيه للهيمنة الثقافية في تنظيم الجبهة الشعبية إلى شيء أشبه بالتابوهات أو الخروج عن مسار الوطنية كان البرنامج السياسي في مرحلة التحرير شيء والممارسة شيء أخر حتى بلغ بالتنظيم ذروته مستخدم البطش بكل من يهمس ناهيك بمن يرفع صوته في مناقشة الإستحواذ الثقافي والتنظيمي على مفاصل التنظيم وإقصاء وتهميش كل من وقف مخالفاً له من القيادات ذات النفوذ والثقل النضالي حتى أضحى الآمر الناهي والبقية أتباع وهم يمنون أنفسهم باللحظة التاريخية الإستقلال.
وبعدها فرض رؤيته الأحادية في تبني مشروع لغات الأم والتدريس بها حتى تلاشت ولم يعد هناك غير لغة واحدة سائدة عنوة بفعل فاعل سياسي ويأتيك من يقول لك أن مناقشة موضوعات اللغة لييس أمر سياسي أنا لا أعد هذا عدم معرفة بل هو هروب من مواجهة الحقيقة المؤلمة الهزيمة النفسية التي ستلازم كل من يعيشها دون أي محاولات للخروج منها بصورة تبعث على التوازن.
Leave a Reply