القيادة القومية : الرد على النكبة الأولى بإزالة أسبابها وتدارك نكبة ثانية بتفعيل النضال القومي بأبعاده التحريرية والتوحيدي والديموقرطية.

اعتبرت القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي ، إن استباحة الساحة العربية ماكانت لتبلغ ذروتها، لولا الانكشاف القومي الذي توّلد عن العدوان على العراق واحتلاله وتدمير بنيته الوطنية. وأكدت أن الرد على هذا العدوان المتعدد المصادر والجهات، يكون بإزالة الأسباب التي أفضت إلى حصول النكبة القومية الجديدة من فلسطين إلى رحاب الوطن العربي الكبير.

جاء ذلك في بيان للقيادة القومية للحزب عشية الذكرى السابعة والسبعين للنكبة القومية الأولى عام 1948.
فيما يلي نصه.

تحل الذكرى السابعة والسبعون ، للنكبة القومية التي أصابت الأمة في مقتلٍ، بإعلان الحركة الصهيونية قيام كيانها الاستيطاني على أرض فلسطين، على وقع نكبة ثانية لاتقل خطورة عن الأولى، نظرًا لما تشهده فلسطين من حرب إبادة جماعية تشن على جماهير شعبها الصابر الصامد في غزة وقطاعها، وما تتعرض له القدس والضفة الغربية من توسع لعمليات الاستيطان الصهيوني وتدمير ممنهج للمخيمات مع تقطيع لأوصال المدن والقرى وتحويلها إلى جزر مطوقة بالحواجز العسكرية والأمنية مع إطلاق يد المستوطنين المحميين بقوات الاحتلال لمصادرة وتهويد ماتبقى من أراضٍ لم تطلها حتى الآن امداءات الاستيطان وصولًا لتنفيذ “ترانسفير ” يشمل القطاع الواقع تحت ضغط النار والعمليات الحربية والضفة والقدس تحت ضغط الاغتيالات والاعتقالات والملاحقات الأمنية. وكل ذلك لغرض إفراغ الأرض من سكانها وجعل “إسرائيل” سلطة احتلال على كل أرض فلسطين التاريخية.
هذا الذي ينفذه الكيان الصهيوني من إجراءات قتل وتدمير وتهجير وقضمٍ وتهويد لأرض فلسطين قبل “طوفان الأقصى ” وبعده لم يعد يقتصر على فلسطين وحسب ، بل امتد ليطال لبنان وسوريا واليمن ، وكل واحدة بذريعة خاصة بها ، علمًا أن العدو لا يحتاج لذرائع لتبرير عدوانه بالنظر إلى طبيعته العدوانية وعدم احترامه للمواثيق الدولية وأحكام القانون الدولي العام والإنساني.
إن إقدَام الكيان الصهيوني على توسيع امداءات عدوانه إلى ” دول الطوق” والعمق العربي بعد سبعة وسبعين عامًا على إنشاء هذا الكيان الغاصب، إنما يندرج ضمن سياق تمرحل الخطوات التنفيذية للمشروع الصهيوني المحمول على الرافعة الاستعمارية منذ أكثر من قرن من الزمن، والتطور النوعي الذي طرأ على مساره في هذه الأيام فلتحقيق غايتين في آنٍ :
الأولى، حماية وجوده على أرض فلسطين عبر إفراغها من سكانها التاريخيين استدراكًا لتطور عامل الديموغرافيا الذي لن يكون في مصلحته وكل المعطيات تشير إلى أن كفة هذا العامل ستميل لمصلحة العرب مستقبلًا .
والثانية، تحويل “إسرائيل ” إلى قلعة عسكرية حصينة في الداخل تمتلك قوة ردع لما تعتبره تهديدًا لوجودها من خارج حدودها الآنية المرّسمة واقعيًا “بحزام من النار” . وهذه الغاية الثانية لايمكن الوصول إليها إلا بتحويل الساحات المحيطة بفلسطين إلى ساحات تفتقر إلى عناصر القوة الذاتية، التي تصون حدودها كما افتقارها لعناصر المناعة الداخلية، التي تحول دون اختراقها أو التدخل المعادي في شؤونها.
وإذا كانت “إسرائيل “، تعمل “لتنفيذ ترانسفير” جديد، بدءًا من غزة تحقيقًا للغاية الأولى، فإن الغاية الثانية وضعتها قيد التنفيذ من خلال مايتعرض له لبنان وسوريا واليمن من تدمير للمرافق الحيوية والحياتية في تجاوز لما يعرف ببنك الأهداف العسكرية. ومن ثم تدخلها في الشأن الداخلي وخاصة السوري منه وتقديم نفسها حامية لأحد مكونات شعب سوريا وهو، الذي ما كان ليحصل لولا الانكشاف القومي العام، الذي تعيشه الأمة العربية منذ بدأ الترويج لمبادرات التسوية، التي تنطلق من مسلمّة الاعتراف بالعدو وتكريس شرعية احتلاله وحقه بالحياة بحجة الاعتراف بقرارات الشرعية الدولية وهو، الذي لايعترف بها أساسًا . وهذا الانكشاف، الذي بلغ ذروته بعد العدوان على العراق واحتلاله وتدمير بنيته الوطنية جعل الساحة القومية، ساحة مستباحة من قبل القوى، التي تناصب الأمة العداء، ولولا هذه الاستباحة، لما تمكن النظام الإيراني الشعوبي من التغول في العمق العربي، ولما تمادى العدو الصهيوني في عدوانه، الذي يمتد من فلسطين إلى اليمن، ولا استطاعت القوى الدولية والإقيمية، التي ترى في الفضاء العربي فضاءً للاستثمار السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري، خدمة لأجندة مصالحها الخاصة .

إن القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، وفي مناسبة حلول الذكرى السابعة والسبعين لنكبة فلسطين الأولى، التي كانت نكبة قومية بقدر ما كانت نكبة وطنية فلسطينية، ترى أن الأمة العربية هي على أبواب نكبة قومية جديدة، إن لم يتم استدراك المخاطر المترتبة على الاستفراد الصهيوني بشعب فلسطين عبر مايتعرض له من حرب إبادة جماعية، وعلى تماديه في تصعيد عدوانه وتمدده إلى العمق العربي فضلًا عن تدخله المباشر في الشؤون الداخلية العربية.
وعليه، فإن القيادة القومية للحزب، ترى أن حالة التردي في الوضع العربي ، لاسبيل للخروج منها وتجاوز تداعياتها السلبية إلا بتوفر أربعة عوامل :

الأول ،
الخروج من أوهام التسويات، التي لاتنتج في ظل موازين القوى السائدة حاليًا، سوى مزيد من التنازلات للعدو وداعميه وهو مايتطلب مغادرة نهج التطبيع وإقفال الساحات أمام تسلله إلى عمق نسيج المجتمع العربي، وعلى أن يكون ذلك مقرونًا بإعادة الاعتبار للنهج المقاوم على الأرض وترجمته بمفردات عملية عبر توفير الدعم السياسي والمادي والمالي لقوى المقاومة الفلسطينية والمساعدة على توحيد صفوفها وتموضعها تحت مظلة المرجعية الوطنية، التي تمثلها منظمة التحرير وتعزيز صمود جماهيرها التي تتشبث بالأرض حتى الاستشهاد.
الثاني ،
إقفال الساحات العربية، التي تعاني أقطارها من تداعيات أزمات بنيوية وصراعات داخلية حادة أمام كل محاولات التدخل الأجنبي، الذي تسلل إلى هذه الساحات بفعل انكشاف هذه الساحات أمام عمليات الاختراق المعادي ممن يناصبون الأمة العداء ويعملون على إحداث تغيير ديموغرافي في بنيانها المجتمعي، ويستثمرون بقوى التكفير الديني والتخريب المجتمعي وعلى حساب السلم الأهلي والمقومات الوطنية للدولة الوطنية. وهذا يجب أن يكون مقرونًا ايضًا بإعادة الاعتبار لدور الدولة الوطنية، عبر تمكينها من تأدية دورها في بسط سيادتها على كامل التراب الوطني والقيام بوظائفها الأساسية من رعائية وحمائية خدمة لكل مواطنيها دون تميز وعلى قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات.
الثالث ،
التأكيد على مبدأ ديموقراطية الحياة السياسية في البناء السياسي الداخلي، لضمان عملية التداول السلمي للسلطة، وإطلاق الطاقات الجماهيرية دون خوف أو قلق من مصادرة حرياتها العامة وهي، التي عانت منه طويلًا ، نظرًا لطبيعة الدولة الأمنية، التي أمسكت برقاب البلاد والعباد وضبطت الإيقاع السياسي وفق مصالح المنظومات الأمنية، التي أمسكت بمفاصل السلطة وأخضعتها لنظام التأبيد والتوريث السلطوي.
رابعًا ، إعادة الاعتبار للعمل الوحدوي، ووضع الصيغ العملية لتحشيد الجهد العربي رسميًا وشعبيًا في إطار مشروع شامل لتوفير قاعدة عريضة يتم الوقوف على أرضيتها في مواجهة التحديات، التي تواجه الأمة، وانطلاقًا من وعي قومي عميق، بأن الأمن القومي العربي، هو وحدة عضوية، وكل تهديد لأحد مقوماته أو مكوناته الوطنية هو تهديد للأمن القومي بكليته.
إن القيادة القومية للحزب وهي تؤكد على التكامل والتفاعل الإيجابي بين العوامل الأربعة المشاراليها ، فلإدراكها بأن التصدي للمشروع الصهيوني ولكل من يضمر شرًا بالأمة العربية، لايستقيم إلا بصياغة استراتيجية عمل عربي مشترك تتكئ على ركيزتين :
ركيزة الوعي القومي لحقيقة الأخطار المحدقة بالأمن القومي العربي باعتبار أن الكل العربي مستهدف بهذه المخاطر ، وركيزة الإدراك العميق لحجم القدرات الكامنة في ذات الأمة، وخاصة قدراتها البشرية والاقتصادية، التي لو وظفت في إطار دعم استراتيجية المواجهة والتصدي للمخاطر لكانت تغيرت كثير من المعطيات السلبية، التي ثقل الواقع العربي بتداعياتها السلبية، ولما كانت تخلخلت بنيات وطنية أساسية، في المكون القومي، وهو ماجعل العدو الصهيوني يتمادى ويصعّد من عدوانه ويغري آخرين بتغولهم في العمق القومي .
وعليه، فإن القيادة القومية وفي هذه المناسبة، مناسبة الذكرى السابعة والسبعين لاغتصاب فلسطين، التي يعتبرها العدو مناسبة إعلان دولته، تدعو إلى اعتبارها مناسبة لتأسيس انطلاقة جديدة للعمل العربي، عبر استحضار عناوين المقاومة والوحدة والديموقراطية وحماية مقومات الدولة الوطنية .
بالمقاومة يستمر الصراع مفتحوحًا مع المشروع الصهيوني بكل تجسيداته واستهدافاته القريبة المدى والبعيدة ويبقى عامل الاستعصاء الوطني الفلسطيني قائمًا أمام المحاولات الرامية لتصفية القضية الفلسطينية. وبالوحدة تستجمع عناصر القوة المادية والمعنوية لتوظيفها في سياق مشروع استنهاض الأمة، الذي تشكل المقاومة الفلسطينية طليعته، وبالديموقراطية تنفتح المجالات أمام الجماهير العربية لأن تخرج من قوالب التعليب السلطوي وتندفع للمشاركة في معارك الأمة لإنهاء استلابها القومي والاجتماعي، وبتقوية مرتكزات الدول، والدولة الوطنية، تتعزز الدفاعات الوطنية واستطرادًا، القومية ضد كل من يحاول النفاذ إلى قلب الوطن العربي من خلال الأبواب المفتوحة والساحات الرخوة أمام الغزاة والطامعين بالأمة ومقدراتها وخيراتها.
في ذكرى النكبة الأولى، لتغادر الأمة موقع الوقوف على أطلالها، وتدراكًا لوقوع نكبة ثانية، لتطلق موقفًا قويًا رافضًا لتقديم التنازلات والمساومات على الحقوق السياسية والوطنية والقومية في فلسطين، ولتسر على خط الإعداد المتكامل الحلقات للصراع المفتوح مع أعداء الأمة المتعددي المشارب والمواقع وفي طليعتها العدو الصهيوني وانطلاقًا من كون قضية فلسطين كانت وستبقى قضية العرب المركزية كونها القضية، التي تختصر فيها كل قضايا الأمة في الوحدة والتحرر والتقدم والديموقراطية.

عاشت فلسطين حرة عربية من البحر إلى النهر
وتحية إلى شهدائها ومقاوميها وجماهيرها الصامدة الصابرة والحرية لأسراها ومعتقليها.
تحية إلى شهداء الأمة العربية وإلى كل أحرار العالم، الذي انتصروا لفلسطين وقضيتها العادلة ودعوا إلى مقاضاة “إسرائيل ” على جرائم الحرب وحرب الإبادة الجماعية، التي تنفذها بحق شعب فلسطين.

القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي

في 2025/5/12

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.