وا كرباه… أليس فيكم رجلٌ رشيد؟

بقلم: د. سلمى نايل

السودان يُنتزع من صدور أبنائه، تُقتلع جذوره من أنفاس مواطنيه، تتكاثر النكبات، وتتمدّد الجراح، ومع ذلك لا يزال هناك من يغذّي نار الحرب، ينفخ في رماد الفتنة، ويغض الطرف عن الأشلاء والدموع. أليس فيكم رجلٌ رشيد يضع الوطن فوق المكاسب؟ أما آن لصوت الحكمة أن يعلو على ضجيج البنادق؟ الوطن يحتضر… فهل من مُنقذٍ قبل فوات الأوان؟

لقد أنهكتنا الحرب، لا لأنها فقط دمرت البنية التحتية وشردت الملايين، بل لأنها مزقت الروح الجمعية، وسلبت الإنسان السوداني أبسط حقوقه في الأمان والحلم. أصبحنا نعيش اليوم على أنقاض وطن، ونعدّ ساعات الخوف بدلًا من ساعات الأمل. أي جريمة أكبر من أن يُدفن المستقبل حيًا على يد من يدّعون حمايته؟

من ينادون باستمرار الحرب لا يدفعون الثمن، لا يعيشون الجوع ولا يعرفون طعم الخوف تحت القصف، ولا يتصببون عرقًا في طوابير الإغاثة. الحرب لم تطرق أبوابهم كما طرقتها على بيوت الأبرياء في الخرطوم ودارفور والجزيرة وغيرها من مدن وقرى الوطن المنكوب. يتاجرون بالشعارات، ويصنعون مجدًا زائفًا على جثث الأبرياء.

نحن لا نحتاج إلى مزيد من السلاح، بل إلى جرعة من الضمير. نحتاج إلى قلوب يوجعها هذا الخراب، إلى عقول تجرؤ على الاعتراف بالفشل وتبحث عن مخرج يُنقذ ما تبقى. نحتاج إلى رجل رشيد، امرأة رشيدة، شعب ينهض من بين الركام ويصرخ: كفى!

فلنقلها بصوتٍ عالٍ: هذه ليست حربنا. هذه حرب السلطة، حرب الكراسي، حرب الجشع. أما الشعب، فقد قال كلمته حين اختار الحياة، حين ظل يمسك بالخبز الناشف والكرامة بدلًا من الرصاص والذل.

أيها المتصارعون على السلطة، تذكروا أن لا معنى لحكم وطن بلا شعب. لا معنى للسيادة إذا كانت على أرضٍ محروقة.

وختامًا، نقولها مرة أخرى: .. أليس فيكم رجلٌ رشيد؟

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.