الهوية السودانية ولزوم ما يلزم (الهوية الذاتية)

الهوية الذاتية هي من العوامل التي تشكل سلوك الفرد ثم المجتمع، وهي ذاتها لا تتشكل بالعوامل الشخصية فقط بل تتأثر وبشكل كبير بالعوامل البيئية والمجتمعية والنهج التربوي.

وتهتم مؤسسات التربية المقصودة وغير المقصودة في علم الاجتماع ببناء الهوية الذاتية وأشكالها المختلفة من خلال العملية التربوية.

ومن أشكال الهوية الذاتية الهوية الوطنية السياسية وهي أساس بناء المجتمع الوطني والسياسي الواعي من حيث التصورات الذاتية والتصورات تجاه الآخرين، فالهوية ليست مجرد (فكرة) بل هي (قوة) يجب السيطرة عليها تفاديًا للوقوع في هاوية الأزمة الوجودية التي تجعلنا غير قادرين على مواجهة التحديات بسبب نوعية التحولات.

ومما تعانيه الآن الهوية الذاتية السودانية من تحديات تتمثل في الحرب العبثية ونظام الثلاثين عامًا من الحكم البائد الفاسد، وواقع العنف والنزوح هو تحديات نتج عنها عدم استقرار لهذه الهوية السودانية على مختلف مستويات الفئات العمرية بسبب واقع أنها هي المسؤولة وحدها عن المواجهة في ظل غياب الجهات التي يجب أن تكون مسؤولة عنها وتتبع هذه التحديات دافعًا عنها… أما على صعيد الهوية الجمعية فإن غياب العقل الجمعي لمواجهة تحديات هذه الحرب جعلها مصابة بـ(العجز) الناتج من واقع الشتات.

إن الهوية الذاتية ومنذ 15 أبريل 2023 تعاني برعب ما تتعرض له من عنف ونزوح، وتكابد وحدها عواقب هذا العنف والنزوح والتشرد أيضًا في ظل غياب تام للتخصصات المنهجية وتزويدها بما تحتاجه من أدوات للمواجهة. إن الجامعات السودانية تخرج كل عام دفعات وفيرة في تخصصات علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الفلسفة والمنطق وعلوم فنون الإدارة، وحتى اليوم لم نرَ أو نسمع ميلاد (منصة) تتبنى تزويد الهوية الذاتية السودانية بما تستطيع أن تواجه به التحولات والتحديات لتحافظ على كينونتها.

إن هذه الحرب العبثية وما تبعها من نزوح ربما يتطور ليكون شكلًا من أشكال الهجرة بسبب استمرارها، هي عاصفة عصفت بالحياة اليومية التي تعيشها الهوية الذاتية وربما يمتد تأثيرها إلى الفهم ونمط أداء النوع الاجتماعي داخل الدور الاجتماعي وطبيعة العلاقات ونوعية الحدود والفواصل. وغياب دور اليقظة والحذر بسبب اللجوء والنزوح القسري خارج حدود الوطن سيجعلها منهكة وخائرة القوى.

إن المآسي التي تواجه الهوية الذاتية السودانية هي عامل مؤثر قد يفقدها بعض مكتسباتها ويضعفها، وعلى سبيل المثال نوع العمل لدعم الدخل في مواجهة ضروريات الحياة من أكل وسكن وعلاج… إننا الآن نلاحظ ممارسات سلبية تستخدم (الحوجة) أدوات للتبرير، ومع استمرار واقع الحرب ستصبح هذه الظواهر سمات ووصفًا للهوية الذاتية السودانية، وهناك نماذج في هذا الصدد تتصف بها العديد من المجتمعات حولنا، ومثل هذه التحولات التي تطرأ على الهوية الذاتية السودانية من حيث السلوك سينتج عنها زوال الحبل الذي يعتصم به المجتمع السوداني ومن ثم تفككه.

إن تمام الحرب لعامها الثاني ودخولها عامها الثالث إضافة لما كان ينتهجه نظام الحكم البائد من فساد قد أحدث تحوّلاً واسع المدى في نمط الهوية السودانية من واقع التأثير ونوع المكتسبات، وغياب دور المقاومة ووعيها قد عمّق لهذه التحولات، فالهوية هي فكر ومجتمع ومؤسسة، والآن جميعها يعاني أزمة (المحافظة) والحفاظ عليها، كما سنعاني في المستقبل من صعوبات تعريفها والتكييف معها لأن استمرار الحرب سيعمق من العمق النفسي لها كأداة تماسك المجتمع، فإذا كان العمق إيجابيًا كان الناتج إيجابيًا والعكس صحيح.

إن انهيار الدولة السودانية يضع الهوية السودانية بشقيها الذاتي والجمعي على طريق الانهيار إلا في حال إن نكون أمة أصيلة، فالأمم الأصيلة لا تنهار أمام انهيار الدولة أو الجيش وتثبت حتى عند انهيار الوضع الاقتصادي بسبب ما تمتلكه من أخلاق أصيلة لأن الأمم الأخلاق ما بقيت.
إن هذه الحرب تضعنا أمام خيارين: إما بقاء الفكرة الوجودية واستمرارها، وإما نهايتها. لذا علينا تبني مشروع (مقاومة) يهدف إلى دراسة التحولات ووضع خطة لمقاومتها… ودمتم سالمين.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.