السودان لا يُبنى على رماد المدن

في زمن الحرب تغيب الحكمة ويعلو صوت الرصاص على نداء العقل وما نشهده اليوم في السودان هو امتداد لحالة من الانهيار المتسارع حيث أصبحت المدن والقرى أهدافا يومية وتحوّلت حياة المدنيين إلى جحيم لا يطاق الحرب لم تعُد مواجهة بين أطراف متصارعة فحسب بل أصبحت حربا ضد شعب بأكمله ضد حلمه في السلام وضد مستقبله.
إن التدمير المستمر للبنية التحتية واستهداف حياة المدنيين يهددان بدفع السودان عقودا إلى الوراء لكن الأخطر من ذلك أن هذه الحرب تقوض أواصر التعايش بين مكونات المجتمع السوداني وتزرع في النفوس شكوكا وجراحا يصعب التئامها لقد أثبت التاريخ القريب والبعيد أن البندقية وحدها لا تصنع سلاما ولا تبني دولة ولا تخلق استقرارا
شعب السودان أقدم من الدولة نفسها وهي لا تحكم بالقوة أو بالقهر بل بالحوار والعدالة والاعتراف المتبادل بالحقوق. الاستمرار في منطق الحرب لن يودي إلا إلى مزيد من الدم ومزيد من الانهيار ومزيد من الغربة داخل الوطن.
وإذا أردنا الحديث عن الجذور فإن ما نعيشه اليوم ليس معزولا عن انقلاب الثلاثين من يونيو 1989 حين استولى الإسلاميون على السلطة وأدخلوا السودان في نفق مظلم من الاستبداد والحروب والانقسامات ومع ذلك فإن المشهد قبل ذلك لم يكن مثاليا لكنه لم يكن بهذا القدر من القسوة والانغلاق لقد تم اختطاف الدولة ومؤسساتها من يد الشعب وحان الوقت لاستعادتها عبر عقد اجتماعي جديد يقوم على إرادة السودانيين، ويُبنى في مؤتمر دستوري جامع يحدد كيف يُحكم السودان في المستقبل لا من يحكمه.
إننا اليوم أمام لحظة مصيرية إما أن ننقذ ما تبقى من وطن أو نتركه نهبا للحرب والانقسام ومن هذا المنطلق فإننا نناشد جميع الأطراف ومن خلفهم المجتمعين الإقليمي والدولي بالتحرك الفوري لوقف شامل لإطلاق النار في كل السودان لأسباب إنسانية عاجلة تمهيدا لحوار جاد يفضي إلى إنهاء الحرب وبناء السلام الذي يستحقه هذا الشعب العظيم.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.