مسيرات بورتسودان هل تمهد لبناء قواعد عسكرية اجنبية في السودان

استيقظت بالأمس مدينة بورتسودان الوادعة على صوت انفجارات هزّت أركانها وأرعبت سكانها، خاصة القريبين من المطار، إذ أصابت مسيّرات انتحارية واستراتيجية عدّة مواقع حيوية، مثل ميناء عثمان دقنة، والمطار، ومواقع عسكرية، ومخازن أسلحة، وخزانات وقود ضخمة.
لم يعلن الدعم السريع حتى اللحظة تبنّيه لما حدث، وفي صباح اليوم تكرّر قصف المنشآت، فارتفعت ألسنة النيران، بينما طلبت حكومة الأمر الواقع من المملكة العربية السعودية مساعدتها في إطفاء الحرائق.

▪️ إدانات
قامت بعض الدول بإدانة القصف، مثل المملكة العربية السعودية والكويت وقطر وغيرها، وكعادتها، حاولت حكومة بورتسودان التقليل من أثر الحادث بنشر فيديوهات لصالة المطار المتأثرة جزئياً، لكن النيران وانبعاث الغاز ورائحة الدخان، وأصوات الانفجارات المتكررة، مع تصدي المضادات الأرضية، ونزوح السكان من محيط المطار والمستودعات ومحولات الكهرباء إلى أماكن أكثر أماناً، فضحت محاولات التخفيف من وقع ما جرى.

▪️ شركات الطيران توقف رحلاتها
توقفت الرحلات من وإلى بورتسودان مباشرة بعد الحدث، وأعلنت العديد من شركات الطيران توقف رحلاتها، كما أعلنت شركات التأمين عن عدم التزامها بتعويض الشركات، باعتبار المطار بات منطقة حرب. وقد كشفت منصات وصحف إخبارية عن إجراءات لشركات، منها بدر للطيران، لتقييم طائراتها القابعة في مطار بورتسودان وتقدير الخسائر. كما أعلنت مصر للطيران إلغاء رحلاتها إلى حين استقرار الأوضاع.

▪️ اتفاقات لإنشاء قاعدة عسكرية؟
من الذي يقصف مدينة الثغر بهذه الدقة؟ وهل يمتلك الدعم السريع القدرة والخبرة العسكرية والمعلومات الأمنية التي تمكّنه من مواصلة تحطيم مواقع استراتيجية في أبعد مدينة عن مناطق سيطرته؟
ولأن حرب السودان من أغرب الحروب التي يُدار إعلامها من خارج مؤسسات الدولة الرسمية، تتحرك مراكز إعلامية متعددة أوكل أمر إدارتها لناشطين وناشطات وإعلاميين بلا خبرات، وكذلك لجنود يرفعون الصور والفيديوهات من داخل ساحات المعارك، ظلت الحقيقة غائبة بغياب ناطق رسمي نشط، يتحرك وفق خطة مدروسة، يقوم بتنوير الشعب يومياً بالأحداث، كما يفعل الحوثيون والحكومة الشرعية في اليمن، أو كما كان يفعل الصحاف في “الحواسم” بالعراق، وحتى “حماس” كان لها مصدر وحيد للمعلومة يثق به الإعلام العالمي ويتلقى منه المعلومات.
أما حربنا التي دخلت عامها الثالث، وتسببت في نزوح الملايين وموت عشرات الآلاف، فلم تجد ناطقاً إعلامياً محل ثقة ينقل المعلومة بدقة وأمانة.

منذ الأمس، بدأت مواقع مجهولة الهوية ومنشورات يتيمة الانتماء، في نشر معلومات عن اقتراب توقيع اتفاق بين حكومة بورتسودان وروسيا لإنشاء قاعدة عسكرية في بورتسودان. وفي الوقت نفسه، أُعلن عن وصول باخرة تركية ضخمة تحمل 110 حاويات، قيل إنها مساعدات إنسانية، بينما شاهد سكان بورتسودان طائرات إطفاء سعودية تُلقي بمياهها لوقف هدير نيران المستودعات النفطية.

وهكذا، يبدو أن الجميع يسعى لاستثمار ما حدث في بورتسودان لإجبار حكومة الأمر الواقع على الإسراع في توقيع اتفاقات عسكرية وأمنية واقتصادية، تحت ضغط ما تواجهه من استهداف يهدد أمنها واستقرار قادتها العسكريين، الذين جعلوا عاصمة الشرق ملاذاً لهم بعد سقوط الخرطوم في يد الدعم السريع، قبل أن يستعيدها الجيش وهي حطام تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.

ليس من الصعب معرفة منصات انطلاق المسيّرات ولا جهة تصنيعها، وما إذا كانت تتبع للدعم السريع أو لجهة أخرى، فسماء السودان وأرضه متاحتان لكثير من أجهزة مخابرات الدول الأجنبية.
فلماذا الصمت؟
إلا إذا كانت هذه المسيّرات تمهّد لحقبة جديدة، تسمح بتوازن القوى بين الجيش من جهة والدعم السريع من جهة أخرى، ومن خلالها تُوقّع الاتفاقات المجحفة وتُبنى القواعد العسكرية الأجنبية، التي تضع السودان تحت الانتداب وسيطرة أجهزة مخابرات دول تتقاطع مصالحها، لتتصارع أفيالها فوق حشائش حديقة السودان، فتقضي على الأخضر واليابس عبر بوابة “إعادة الإعمار”.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.