عيد العمال تحية للإنسان الذي يبني الحياة

بقلم طارق ابوعكرمة

في الأول من أيار، لا نحتفي بذكرى تقليدية فحسب، بل نرفع صوتنا، كما ترفع الارض سنابلها للسماء تحيةً للإنسان العامل، ذاك الذي تلوَّنت كفاه بلون التراب والنار، وعرقه ماء البقاء، وصمته لغة الكرامة.
ليس العامل في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي مجرد ترس في ماكينة الإنتاج، بل هو جوهر الإنسان وفاعل التاريخ، هو الذي يعيد بعث الأمة كل صباح، ويزرع في الحجر حياة. لذلك لم تكن الاشتراكية في فكر الحزب مجرد خيار اقتصادي، بل هي موقف أخلاقي وجودي، ينتصر للإنسان العامل، للفلاح الذي يحرس المواسم، وللعامل الذي يزرع الفولاذ، وللمعلم الذي ينقش الحروف في ذاكرة النشء، وللأم التي تُنبت جيلاً في صمتها المثقل بالتعب.
يأتي عيد العمال في زمن تُنتهك فيه كرامة العمل في عالمنا العربي، في زمن تتآمر فيه النظم الليبرالية المتوحشة والسرديات الدينية المتطرفة على جوهر الإنسان بوصفه منتجًا للمعنى قبل أن يكون منتجًا للسلعة. في السودان وسوريا والعراق وفلسطين ولبنان واليمن، يعمل العامل العربي في ظل شروط غير إنسانية، بلا حماية، بلا أجر عادل، بلا قانون ينصفه أو نقابة تمثله. وتتحول الحروب، وتخريب الدول، واحتكار الموارد، إلى أدوات لتكريس فقره واستلابه.
لكن حزب البعث، كما جاء في تراثه النظري وتجاربه النضالية، لطالما رأى في العامل ركيزة التغيير. من هذا المنطلق، لم تكن الشعارات الثلاثة للحزب (الوحدة، الحرية، الاشتراكية) شعارًا أجوف، بل إطارًا يعيد الاعتبار للإنسان العامل بوصفه شريكًا في البناء الوطني، لا مجرد متلقٍّ للقرارات أو ضحية للسياسات. فالاشتراكية التي نؤمن بها ليست شعارات تلوكها المنابر، بل تجسيدٌ للعدالة الاجتماعية، وانحياز صريح للطبقات المنتجة، وإدانة لنظام الامتيازات الرأسمالي الطفيلي.
وفي هذا اليوم، نستعيد ما قاله القائد المؤسس ميشيل عفلق: “نريد أن ننقل العامل من موقع الاحتجاج إلى موقع القرار، ومن خانة الرفض إلى موقع البناء”. وهي دعوة لا تزال في أوج راهنيتها، خاصة في لحظة الانهيارات الكبرى التي تعصف بوطننا العربي، حيث تتحوّل الطبقات الكادحة إلى ضحايا للتجويع والتهميش، في حين تزداد الثروات لدى قوى الفساد والتحالفات المشبوهة بين رأس المال والسلطة.
إن عيد العمال، في فكر البعث، ليس مناسبة للاحتفاء، بل لحظة مراجعة ومقاومة وتجديد. مقاومة لسياسات الإفقار، وتجديد لروح النضال النقابي الشعبي الديمقراطي، وتثبيت لمبدأ أن الوطن لا يُبنى بالامتيازات بل بالكفاءات، لا يُبنى بالعسكرة بل بالعمل، لا يُبنى بالخطب بل بعرق من يبنون الحجر ويصنعون القوت ويُديرون المصانع ويحرثون الأرض.
نريد أن نحتفل بعيد العمال لا في خطب المناسبات بل في سياسات تنحاز إليهم، في قوانين تحميهم، في أجورٍ كريمة، في بيئة عمل لائقة، في دولة تعتبرهم عمادها لا عبئًا عليها.
نريد أن نعيد للإنسان العامل موقعه في صدر الوطن، في ذاكرة الأمة، في ثقافتها وقوانينها ووجدانها. نريد أن يكون أول أيار موعدًا مع الوعد، لا مع الخيبة.
ومن هنا، فإن حزب البعث العربي الاشتراكي يدعو إلى:
صياغة مشروع اقتصادي اجتماعي عادل يعيد توزيع الثروة ويكرّس حقوق العمال والفلاحين.
إعادة بناء النقابات العمالية والمهنية على أسس ديمقراطية حقيقية بعيدًا عن التسيير الفوقي.
إصلاح قوانين العمل والتأمينات بما يضمن الحماية للعامل في القطاعين العام والخاص.
ربط مفاهيم الإنتاج بالكرامة، والربح بالعدالة، والحرية بالتنمية المستدامة.
يا عمال الأمة: أنتم قلبها النابض، وشمسها المشرقة، وذراعها البانية.
في هذا اليوم، لا نمنحكم باقة ورد، بل نعيد تأكيد القسم: أن نبقى أوفياء لكم، مدافعين عن حقوقكم، مؤمنين أن حرية الأمة لا تُبنى إلا على أكتافكم، وأن النصر يبدأ حين تُرفع يد العامل لا حين تُصافح يد التاجر.
ولكم المجد.