تُعقد جلستها اليوم: ضحى شعيب.. مصير على المحك

في ظل تعقيدات الصراع الدائر في السودان، ومخاطره التي لا تقتصر على جبهات القتال بل تمتد لتشمل حياة المدنيين الفارين من ويلات الحرب، برزت قضية الطالبة ضحى شعيب كنموذج مقلق للتحديات التي تواجه العدالة وحقوق الإنسان، خاصة في المناطق المتأثرة بالنزاع. تواجه ضحى، الطالبة بكلية الآداب بجامعة النيلين والبالغة من العمر 21 عاماً، تهماً خطيرة قد تصل عقوبتها القصوى إلى الإعدام، في قضية يكتنفها الغموض وتثير شكوكاً كبيرة حول الأدلة ومسار التحقيق.

رحلة النزوح القاسية والوقوع في قبضة الأمن:

كانت ضحى شعيب تقيم مع أسرتها في جزيرة توتي بالخرطوم، التي شهدت دخولاً لقوات الدعم السريع في العام 2023. وكحال العديد من سكان الجزيرة الذين اضطروا للفرار بحثاً عن الأمان، تمكنت ضحى مع آخرين من الخروج بمركب إلى منطقة بحري، ومنها سافرت إلى مدينة الدامر حيث ظلت تقيم بمفردها حتى أكتوبر 2024.

في تلك الأثناء، تمكنت بقية أسرة ضحى من مغادرة جزيرة توتي لاجئين إلى منطقة الثورة بولاية الخرطوم. التحقت بهم ضحى واثنتان من شقيقاتها، وتم وضعهم جميعاً في أحد مراكز الإيواء المخصصة للنازحين بالثورة. لم تدم إقامة ضحى في دار الإيواء طويلاً؛ فبعد حوالي شهرين من التحاقها بأسرتها، وبتاريخ الأول من يناير 2025، تعرضت للاعتقال من قبل مجموعة تعرف باسم “الخلية الأمنية كرري”. وجاء الاعتقال بناءً على زعم بأنها متعاونة مع قوات الدعم السريع.

تحقيقات متناقضة وشهادة مشكوك فيها:

احتُجزت ضحى لدى حراسات الخلية الأمنية لمدة 9 أيام، وهي ممارسات تثير قلقاً حقوقياً بشأن الاعتقالات خارج إطار الأجهزة الأمنية الرسمية المعروفة وبغياب الإجراءات القانونية الواجبة. بعد ذلك، تم تحويلها إلى النيابة، حيث فُتح في مواجهتها بلاغ تحت المواد 186 (الإخلال بالدستور)، و 51 (إثارة الحرب ضد الدولة)، و 50 (الجرائم الماسة بأمن الدولة)، و 26 (الاشتراك الجنائي) من القانون الجنائي السوداني لعام 1991. هذه المواد تصنف ضمن أخطر الجرائم في القانون السوداني وقد تصل عقوبتها القصوى إلى الإعدام، وهو ما يضفي خطورة بالغة على وضع الطالبة ضحى.

ظلت ضحى بعد ذلك رهن حراسات الشرطة لاستكمال التحريات وفحص جهاز هاتفها المحمول، وهو إجراء روتيني في مثل هذه القضايا. وجاءت نتيجة فحص الهاتف لتدحض الادعاء الأساسي ضدها بشكل قاطع؛ حيث أفاد تقرير الفحص بعدم وجود أي صور أو فيديوهات أو حتى رسائل نصية يمكن أن تدل على أي شكل من أشكال التعاون مع قوات الدعم السريع. بل إن التقرير أشار إلى ملاحظة إضافية تفيد بأنها كانت ناشطة في فترة الثورة والمظاهرات، وكذلك ناشطة في العمل السياسي من خلال أنشطتها الجامعية بجامعة النيلين، وهو ما يمكن تفسيره كنشاط مشروع في سياق الحراك المدني والطلابي.

المثير للقلق في القضية هو ما حدث خلال استجواب الشهود. ففي حين لم يُدلِ أحد الشهود بأي أقوال تفيد بتعاون ضحى عند استجوابه للمرة الأولى، قام بتغيير شهادته لاحقاً ليُفيد بأنها كانت تركب سيارات قوات الدعم السريع وتبيع لهم المخدرات، دون أن يقدم أي بينة أو أدلة تدعم ادعاءاته الجديدة. وعند استيضاحه عن سبب تغيير أقواله، برر ذلك بأنه كان خائفاً من أهلها في المرة الأولى، وهو تبرير يلقي بظلال كثيفة من الشك على مصداقية شهادته الجديدة ويفتح الباب لاحتمالات الضغط أو الترهيب.

مسار قضائي يثير التساؤلات وقضايا مماثلة:

بعد مرور أكثر من 3 أشهر على حبسها في حراسات قسم الشرطة، تم إحالة البلاغ إلى المحكمة المختصة. كان مقرراً عقد الجلسة الأولى للإجراءات في تاريخ 9 أبريل الجاري، لكن الجلسة لم تنعقد بسبب تغيب قاضيها. ومن المقرر عقد جلسة أخرى لها يوم غد الخميس الموافق 24 أبريل الجاري. لاحقاً، اتضح أن القاضي الأصلي للقضية كان قد تم نقله إلى مدينة أخرى، وهو ما يزيد من التعقيدات ويؤخر سير العدالة في قضية حساسة.

لا تُعد قضية ضحى شعيب حالة فردية منعزلة، بل تأتي في سياق أوسع شهدته مناطق مختلفة من السودان، وخاصة في ولاية الخرطوم والمناطق المتأثرة بالنزاع، حيث وثقت العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية وقوع اعتقالات تعسفية واسعة النطاق من قبل أطراف النزاع المختلفة والمجموعات المرتبطة بها. تتضمن القضايا المماثلة استهداف الناشطين المدنيين، الصحفيين، المحامين، والشباب، غالباً بناءً على اشتباه في الانتماء السياسي أو التعاون مع الطرف الآخر، وبأدلة غالباً ما تكون واهية أو يتم الحصول عليها تحت الإكراه أو في ظروف تفتقر للشفافية والنزاهة. كما تبرز حالات استخدام تهم خطيرة، بما في ذلك تلك المتعلقة بأمن الدولة، ضد مدنيين بناءً على اتهامات غير مؤكدة، مما يقوض مبادئ المحاكمة العادلة وسيادة القانون.

تضامن ومطالبات بالإفراج:

حظيت قضية ضحى شعيب باهتمام كبير من العديد من المنظمات والجهات النقابية والمهنية والحقوقية السودانية. صدرت عنها بيانات متعددة، ونُشرت بوسترات تضامن واسعة، ومطالبات بالإفراج الفوري عنها. من بين الجهات التي عبرت عن تضامنها ومطالباتها بالإفراج عن ضحى: محامو الطوارئ، مبادرة “لا لقهر النساء”، التنسيقية النسوية الموحدة، الاتحاد الديمقراطي لنساء السودان، تجمع المحامين الديمقراطيين، وجبهة كفاح الطلبة بجامعة النيلين.

تبقى قضية ضحى شعيب محط أنظار، وتُعد اختباراً لمدى صمود منظومة العدالة في السودان في ظل الظروف الاستثنائية، ومدى قدرتها على ضمان حقوق المتهمين وتوفير محاكمة عادلة، بعيداً عن التأثيرات السياسية أو الأمنية أو الشهادات المشكوك فيها. وتتواصل المطالبات بالإفراج عنها والكشف عن ملابسات الاعتقال والاتهامات الموجهة إليها بشفافية.