وضوح وثبات… أكاذيب وافتراءات

وضوح وثبات… أكاذيب وافتراءات

عادل خلف الله

عضو قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي قطر السودان

بدا للكثيرين، إن الإجراءات الاستثنائية، التي ظلت تشهدها البلاد منذ حين من الوقت، والتي اتخذت شكل خلق أزمة سياسية شاملة في قمة مؤسسات السلطة الانتقالية، بتوجه انقلابي اتخذ من سياسة حافة الهاوية أسلوبا، للبحث عن سند إقليمي ودولي، إضافة إلى مظلة سياسية واجتماعية محلية ينزل بها الانقلاب المعلق على الأرض، والتي بلغت ذروتها يومي 25 اكتوبر و21 نوفمبر، مقصود منها إخراج الأحزاب الرئيسة في البلاد من المشهد السياسي، وما عزز ذلك الاعتقاد، الحملة الإعلامية الضارية التي احتشد قاموس أطرافها بعداء منقطع النظير للحزبية والأحزاب فاق ما انتجته ماكينة دعاية انقلابي مايو 1969، ويونيو 1989، وصل غلوها حد استعارة مسمى ظاهرة إحدى عصابات النهب والخطف المستولدة من الأزمة المصنوعة على تلك الأحزاب (أربعة طويلة).
ربما كان ذلك الاستنتاج، معقولا إلى حد بعيد بدلالة المعطيات المتوفرة ولبلوغ مرامي ما بعد الانقلاب. لذا ليس مستغربا استهداف حزب البعث العربي الاشتراكي، بشكل خاص، من قبل قوى معادية، محلية وإقليمية ودولية، تتقاسم عقيدة اجتثاث البعث، في إطار السيناريوهات التي تشهدها بلادنا حاليا، بالنظر إلى وضوح وثبات مواقفه المبدئية، ودوره الفاعل في التأثير في الشارع، ووسط القوى الحية، إبان فترة النضال من أجل اسقاط نظام المخلوع البشير، وما بعدها.
وإن غضت تلك الأطراف والدوائر الطرف عن مشاركة البعث الرمزية في السلطة الانتقالية بتنوعها واتساعها، إلا أنها لم تحتمل تنامي تأثيره في مجريات التطورات الوطنية بآفاقها الديمقراطية الوحدوية الثورية.
فقد ظلت جهات عديدة وسط السلطة الانتقالية وخارجها ودوائر مخابراتية واعلامية متعددة، تنسج الأكاذيب والافتراءات، وتحبك التلفيقات حول البعث، وبغزارة تروج لها وتعيد إنتاجها، بهدف خلق رأي عام سلبي حول البعث، وبناء جدار عازل بينه وبين الجماهير وقواها وتنظيماتها، بل وحتى قياداتها، في آن واحد، يمهد الطريق لاستئصاله واجتثاثه، لا كتنظيم في قطر معين وحسب، وإنما كفكر أصيل وحالة نضالية متجددة ومتجذرة وطنيا وقوميا، وفق استراتيحية معلنة وشائعة.
وقد تمحورت الدعاية السوداء، التي تضطلع بها تلك الجهات والدوائر المشار اليها، حول ثلاث أطروحات:
أولاها: إلصاق تهمة التدبير لانقلابات عسكرية، انطلقت من التقدير العالي للبعث وتجربته الحية في العراق اجمالا، واقتدار جيشه الحديث المغوار داخل الأوساط العسكرية للتمويه على النشاط الانقلابي الحقيقي لدوائرها، إضافة إلى تبريره بزعم استباق انقلاب بعثي كما حدث في انقلاب حزب الجبهة بقيادة دكتور حسن الترابي في يونيو 1989، وأعيد ذات السيناريو في التغطية على الانقلابات المتعددة خلال الفترة الانتقالية والتي جاء فشل أحدها في سبتمر الماضي إيذانا لتنفيذ انقلاب قوى الردة والفلول في 25 أكتوبر.
وثانيتها: مزاعم وتلفيقات امتلاك البعث لمليشيا تخطط للقيام بأعمال عنف واغتيالات لمخالفيه في الرأي، أطلقوا عليها بكسل ذهني اسم (كتيبة حنين) المرتبط أسمها تاريخيا بتنظيم (الإخوان المسلمين) في مصر منذ أواخر أربعينيات القرن الماضي. وبذات الذهنية نسبوا مسئوليتها في بادئ الأمر للأستاذة منيرة سيد علي رئيسة اتحاد النساء الديمقراطي، التي يصعب على الفطرة السليمة تقبل ذلك الإدعاء سيما لمن يعرف شخصية الأستاذة منيرة وحالتها الصحية. مما حدا بماكينة الدعاية لتلك الدوائر إلى زعم جديد وتلفيق بإن مسئول الكتيبة المدعاة هو الأستاذ إيهاب الطيب، الذي رفعوه خدمة لأجندتهم التآمرية إلى قيادي ومسئول العمل العسكري لحزب البعث العربي الاشتراكي، بتغافل متعمد حتى لحقيقة عدم ارتباط إيهاب الطيب التنظيمي بالبعث.
الشاهد في الكذبتين إن البعث منذ تاسيسه في أبريل – نيسان1947 وحتى الآن، لم يشارك في أي نشاط انقلابي على نظام ديمقراطي تعددي في كافة الأقطار العربية، التزاما صارما بفكره وموقفه المبدئي من الديمقراطية والتعددية وقاعدة تداول وتناوب السلطة سلميا.
ولقد عززت ذلك تجربته النضالية في السودان بعدم المشاركة في أي من الأنظمة الثلاثة التي أطاحت بالديمقراطية التعددية (نوفمبر 1958- 1964، مايو 1969- 1985، يونيو 1989- أبريل 2019)، تأكيدا على إيمانه المطلق بإرادة الجماهير وبالنضال السلمي الديمقراطي في مواجهة قضايا التطور الوطني. ويعد ذلك واحدا من الحقائق الدامغة لباطل أكاذيب مروجي الانقلابات العسكرية وتلفيقات المليشيا و(كتيبة حنين) المدعاة.
في الوقت الذي يُغض البصر فيه عن المليشيات والكتائب الفعلية متعددة الأسماء والولاءات وممارساتها وإنتهاكاتها.
وثالثها: محاولة دمغ البعث ودمغ كوادره بالفساد، عقب مشاركة مولانا وجدي صالح عبده في لجنة تصفية نظام الثلاثين من يونيو وتفكيك التمكين، والتي حظيت بأوفر نصيب من هجوم قوى الردة والفلول، توطئة لتجميدها، في خطاب الانقلاب، وتصفيتها في نهاية المطاف، حماية للفساد والتمكين ولمصالح الطفيليين والنفعيين، وسارقي قوت الشعب، وناهبي ومبددي ثروات الوطن ومقدراته، وإجهاضا للتحول المدني والانتقال الديمقراطي الحقيقيين، بالزعم بأن الأستاذ وجدي صالح انتفع من الأموال والأصول المستردة وحول بعضها عبر الأستاذ محمد ضياء الدين لمصلحة الحزب. يكفي السودان والبعث شرفا إن الأستاذ وجدي صالح ظل محط تقدير وافتخار لقوى وشباب الثورة وتحول إلى هالة رمزية يُحمل على الأكتاف في مواكب العزة والكرامة الوطنية، ويُستقبل بالترحاب والبشاشة أينما حل. ومن السهولة إدراك إن أحواله المادية حينما كان يزاول مهنته ومتفرغ لها أفضل بعشرات المرات بعد مزاولته لدوره الوطني في لجنة تصفية الإنقاذ وتمكينها، التي وهبها بصدق وجدية كل وقته وجهده ومواهبه، ولم يظهر عليه أثناء ذلك إلا حب الملايين له من بنات وأبناء شعبه الذين لا يهبون ذلك جزافا، مثلما لا يمكن أن يكونوا على خطأ. (الحرية للأستاذين وجدي صالح وإيهاب الطيب وكافة المعتقلين).
إن حملة استهداف البعث، والتي لها امتدادات فيما وراء الحدود، تتقصد تعطيل دور البعث الوطني والقومي، بما يُمكّن القوى المعادية لوحدة وتقدم وازدهار السودان من تمرير مشروعاتها المتصلة بإجهاض التحول المدني والانتقال الديمقراطي، والتنمية المتوازنة والسلام المستدام، وبربط السودان بمؤامرة التطبيع مع العدو الصهيوني، الذي نسق الانقلابيون معه ساعة الصفر شغفاً في السلطة وبأي مصير وثمن! والإفراط في التبعية والفساد والاستبداد، والتي يقف البعث حائط صد في مواجهتها. فهي مشروعات تتجذر في العداء للديموقراطية، وللتعددية السياسية والثقافية والفكرية، والعدالة والسلام، التي يشكل حزب البعث، بعضا من رموزها ومكوناتها، مثلما تتقصد الحملة المشبوهة، من جهة أخرى، إيجاد مبررات لا لتصفية البعث، كفصيل وطني وحده؛ وإنما لإشاعة ممارسة القمع والكبت، ومصادرة الحريات والحقوق وتزييف الديموقراطية، وعلى أوسع نطاق، مستخدمة في ذلك إضافة لما سبق نظرية الإسقاط، لإشاعة أن الكل سواسية وأن (موت الجماعة عرس).
إلا أن الحقيقة الباقية إن بضدها تتميز الأشياء، لا سيما وأن من بين من ينسجون تلك الأكاذيب نافذين في أجهزة الإنقاذ الأمنية والاستخبارية والمالية، أو ضباط هاربين منها وسماسرة سياسة وانتهازيون.
يدرك البعثيون المسلحون بخبرات وتجارب ثرة في مقارعة الدكتاتوريات والأنظمة المتسلطة، إن الفشل هو مصير تلك المخططات المعادية، وإن كلفة التغلب عليها غالي التضحيات. كما يدركون أيضاً موطن قوتهم وقوة حزبهم وفكره ومنهجه الخلاق ضمن الحركة الوطنية في مواجهة المخططات المعادية، والتي تكمن في الشعب، وفي مقدراته النضالية المتجددة من مخزون أمته الثوري وتراثها الروحي وتفاعله مع نضال أحرار العالم، وفي انتصار إرادته، التي لا راد ولا غالب لها.
الجمعة 26 نوفمبر 2021