مشروع التغيير في السودان … عقبات الطريق

مشروع التغيير في السودان … عقبات الطريق

على حمدان

 

بات من المعلوم أن ثورات الربيع العربي كانت ورائها بقوة العديد من الدوافع والأسباب الموضوعية التي فجرت غضب الشعب العربي من  المحيط إلى الخليج بقيادة طلائعه من الشباب الملئ بالعنفوان والإرادة المبدئية الذين تجاوزا كل التكوينات السياسية والنقابية في بلدانهم والتي لم يتجاوز طموحها إنصاف الحلول ومحاولة توظيف الانتفاضة الشعبية وضغط الشارع لتحقيق مكاسب تؤمن لها المشاركة واقتسام السلطة مع الأنظمة الفاسدة ألأيله للسقوط , ولكن تصميم الشباب ومبدئيتهم المستلهمة لتطلعات شعبها حققت التغيير وسقطت عروش الأنظمة الفاسدة المستبدة , في تونس ومصر وليبيا والانتفاضة في اليمن وسوريا وغيرها على ألطريق لاستكمال التغيير الذي عزز ثقة ألامه بنفسها وأعاد الاعتبار للجماهير كمصدر أساس للقوه .  دللت الوقائع أن الدوافع والأسباب والعناوين الأساسية للتعيير كانت واحده لان الأنظمة كانت متشابه في ركائزها وتوجيهاتها وسائلها وأساليبها فهي كانت تعبر عن جوهر ألازمه المتمثلة في:

  • تسلط واستبداد الفرد أو الأسرة او الحزب أو النظام وبطشه بالشعب .
  • معاداة الديمقراطية وقمع الحريات وانتهاك حقوق الإنسان .
  • احتكار الثروة والموارد من قبل فئة طفيلية حاكمة وحلفايها من المنتفعين .
  • إهمال حقوق الشعب الأساسية في العيش بكرامة واستدامة إفقاره وتخلفه .
  • تغييب الشعب وتهميش دوره وتزييف إرادته.
  • التبعية والارتهان والتماهى مع المشروع الامريكى الصهيوني القائم على الهيمنة .

وبلادنا في إطار الاعتبارات السابقة ليست استثناء بل ان سقف ألازمه تجاوز مدياته وبالتالي تهيأت الظروف الموضوعية للتغيير المسنود بالتقاليد النضالية المجربة للشعب السوداني ، وفى هذا السياق وبلادنا تستشرف الذكرى الخامسة والخمسون للاستقلال وأضحت مكتسبات الحركة الوطنية في نضالها من اجل الحرية المتمثل في الاستقلال وسيادة البلاد ووحدتها شعبا وأرضاً أضحت في مهب رياح الإخطار والمهددات الداخلية والخارجية ومفتوحة على شبح الاحتراب والتمزق والتدويل, فالسلطة الحاكمة وبعد ربع قرن من التمكين في كل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية وبسبب تغليب المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحزبية الضيقة شاركت فى انفصال الجنوب واشعلت فتيل الحروب فى دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق وفاقمت الاوضاع الاقتصاديه والمعيشيه بالفقر والجوع وانتقصت من الاستقلال والسياده الوطنيه ، وبالمقابل ظل المشروع السودانى للتغيير قائما فى اجندة القوى السياسيه ومواقف ونضالات الحركه النقابيه والطلابيه والانتفاضات الشعبيه والفئويه منذ 30/6/1989م حين اعلنت تحالفها فى التجمع الديمقراطى في (21) اكتوبر من نفس العام لاستعادة الديمقراطية عن طريق انتفاضه شعبيه ثالثه ، غير ان توجه بعض القوى قصيرة النظر قصيرة النفس النضالى لنقل مركز النشاط المعارض للخارج واعتماد استراتيجيه العمل المسلح بسبب تهافتها على الحركه الشعبيه قد عرقل عملية استنهاض القوى الشعبيه فى داخل القطر نتيجة الرهان على الخارج عبر العمل العسكرى والتدخل الاجنبى ، وعندما فشلت استراتيجيه التغيير عن طريق العمل المسلح والتى كانت خصما على الاراده الوطنيه المستقله اضطرت هذه  القوى لغياب الرؤيه لنهج المساومات الذى انتج اتفاقية نيفاشا وماتبعها من اتفاقات فى القاهره وجدة واسمرا وابوجا ……الخ ، ولانها لا تعتمد على الشعب وفعله وارادته الحره ظلت تراهن دائما على الحوار مع النظام وتفتح مسارب وطرق جانبيه للتوافق معه الامر الذى ساهم بشكل كبير فى اضعاف وحدة قوى المعارضه وتماسكها حول شعار خيار الانتفاضه كخيار وحيد للتغيير. ولكن بعد ان افتضح زيف وعود اتفاقيه نيفاشا بالرفاه والديمقراطيه والوحده الوطنيه والسلام والتي تمخضت عن مشروع انفصالي يؤسس لكونفدراليه تشيع التفكك والتفتيت – انفتح الباب مرة اخرى لاعادة الاعتبار لخيار الانتفاضة الشعبية اذا ان انفصال الجنوب وتنامي النزاعات المسلحة وتفاقم الازمة الاقتصادية وعجز النظام عن معالجتها وانسداد افاق التطور جعل مسألة التغيير خيار لابد منه ولكن في سياق قراءة معمقة لكل معطيات الواقع الراهن بغرض تجاوز كل العوامل والاسباب الذاتية والموضوعية التي اضعفت تفعيله وجعلت شعبنا يعيش تحت وطأة الازمة الشاملة وتحقيق اجماع على المشروع الوطني للتغيير اهدافاً ووسائل ، منطلقين من حقيقة ان صيغ المعارضة خلل العقدين الماضيين لم تعجز عن ان تكون بديلاً للنظام الحاكم وحسب ، انما تسببت كعائق دون بلورة موقف ومشروع وطني معارض حقيقي نهجاً ووسائل ، ولكيما يضع هذا المشروع اجابة على الاسئلة والتحديات المصيرية التي تجابه بلادنا لا بد ابتداءاً من قطع الطريق امام تداخل الخنادق مع القوى ذات التناقض الثانوي مع الاستبداد لتعزيز ارادة التغيير كاساس للاراده الوطنية التي تقود الصراع السياسي والاجتماعي بعيداً عن الرهان على العامل والدور الاجنبي والتمسك بالثوابت الوطنية في الاستغلالية والوحدة الوطنية وتعميق الوعي في مواجهة محاولات طمس وتحوير طبيعة الصراع السياسي والاجتماعي بالبأس التخلف والاستغلال لباساً جهوياً وقبلياً وتغليب الروابط والنزاعات الدنيا على الرابطة الوطنية والنظره المجتزأة لقضايا النضال الوطني ، لان التغير المطلوب ليس تغييراً  شكلياً في الحكم وشاغليه إنما هو تغيير جزري في السياسات بما يحقق تطلعات الشعب في الحرية والديمقراطية والتنمية المتوازنة والمستغلة لضمان وحدة بلادنا واستغلالها وسيادتها ويحقق السلام العادل والشامل والعدالة الاقتصادية والاجتماعية والمساواة بين كل ابناء وبنات السودان في كل إرجاء البلاد .

ان الطريق للتغيير لا بد ان يمر عبر التمسك بالمصالح العليا والحيوية لشعبنا والدفاع عنها في مواجهة التدخل الاجنبي ومرتكزاته المحلية واغطيته وذرائعة المتعدده وفي مواجهة مشروع تعميم نموذج نيفاشا التفتيتي على اقاليم البلاد المختلفة وبالتأكيد على ان السلام الحقيقي هدفاً عزيزاً ينشده شعبنا ولكنه ليس بديلاً لوحدة السودان كما انه ليس بديلاً عن حق الشعب في الحرية والديمقراطية وحقه في التعليم والصحة والعمل وغيرها من مستلزمات الحياة الكريمة ، انه البديل الذي يصنعه الشعب وقواه الحية عبر خبراته النضالية السلمية التي فجرت اكتوبر وجددتها في ابرايل  … انه البديل الذي ياتي موكداً  على شعبية وسلمية حسم الصراع الوطني من اجل الحفاظ على وحدة السودان شعباً وارضاً وتقدمة وتعزيز دوره الفاعل في محيطة .