ما زال الشعب السوداني مرابطاً بشارع الثورة

ما زال الشعب السوداني مرابطاً بشارع الثورة

أ. عبد الله رزق

على بعد ما لا يزيد عن ثلاثة اسابيع، تهل ذكرى انطلاقة ثورة ديسمبر العظيمة، لتشهد ان الشعب السوداني لازال مرابطا بشارع الثورة، صامدا، متمسكا بكامل حقه في الحياة الكريمة. ولعل ملحمة 25 نوفمبر هي مسك ختام العام الثاني، من سلسلة المنازلات الجسورة للشعب السوداني، وهو يكتب لنفسه فصلا جديدا من تاريخ البطولة، ويكرس فعل الثورة الدائمة طريقة او اسلوب حياة في مواجهة التسلط العسكري.
فمواكب 25 نوفمبر، التي شهدتها العاصمة الخرطوم، والعديد من مدن الولايات، لم تخل من دلالات مميزة،
فقد كشفت عزلة الانقلاب الداخلية، وافتقاره للقبول الشعبي، مصدر الشرعية، في سياق من الفرز النشط وإعادة الاصطفاف الاستراتيجي، بين من هم مع ومن هم ضد الانقلاب، ووفق رؤية تتسم بالراديكالية في رفضها للانقلاب، ولمشروعات الحلول المطروحة لتفكيك الأزمة السياسية، تحت شعار: لا تفاوض، لا مساومة، لاشرعية للانقلابيين.
فقد عبرت جماهير مواكب 25 نوفمبر عن رفضها، مجددا، لانقلاب 25 اكتوبر، وتوابعه، بما في ذلك التحسينات التي ادخلت عليه في 21 نوفمبر، بإعادة د. عبد الله حمدوك رئيسا للوزراء، في إطار الترتيبات الانقلابية، لا في إطار المبادرة الامريكية الداعية للعودة لما قبل 25 اكتوبر، ومن ثم توقيعه اتفاقا مع قائد الجيش، يجعل منه غطاء مدنيا للانقلاب، للتوسل للشرعية والشعبية المفقودة. وفيما جددت الجماهير استعدادها غير المحدود للتضحية من اجل تحقيق اهداف الثورة في الحرية والعدالة والسلام، وفي الانتقال الديموقراطي، والحكم المدني، خصوصا.
لقد قدم حراك 25 نوفمبر، نفسه، كتحد صريح لعنف السلطة، الذي بلغ ذروته في مجزرة 17 نوفمبر، التي شهدتها بعض احياء مدينة الخرطوم بحري، وليضع جدوى هذا العنف المفرط الذي خلف اكثر من اربعين شهيدا، حتى الان، موضع تساؤل. وفي المقابل، استعراض قوة السلمية، اللانهائية، التي تتدرع بها الجماهير، فقد خسر الانقلاب، مرة أخرى، رهانه على العنف، كمبرر لاستمراره، الأمر الذي سيجبر الانقلاب ويحتم عليه، إعادة النظر في حساباته، لجهة التفكير في تقديم المزيد من التنازلات، خاصة، بالاستجابة لبعض المطلوبات الامريكية.
أبرزت المواكب، بما اتسمت به من مستوى متقدم من التنظيم والتنسيق والتعبئة والتوجيه الذي طبع حركة الشارع، في طول البلاد وعرضها، وفعالية القيادة التي تتصدره، اهمية ارتقاء هذه القيادة لمرحلة لاحقة، مرحلة ما بعد المليونيات، لتكون القيادة المؤهلة للتصدي لتحمل مسؤلية الحكم وقيادة الدولة، وقبل ذلك، استعادة وحدة قوى الثورة، كافة، دون عزل لأي طرف من الأطراف، وهو التحدي الرئيس الذي يواجه عملية تطوير الثورة وتجذيرها، وصولا لاهدافها السامية.