كلمة_الهدف:
سياسات النظام تلاحق نتائج الأزمة وتعجز عن مواجهة المسببات
21 سبتمبر 2018
في زيارته الى بنك السودان يوم الثلاثاء 18 أغسطس، أطلق وزير المالية الجديد معتز موسى تصريحات تناول فيها سياساته المالية والاقتصادية المزمع اعلانها في الأسابيع القادمة، والتي لخصها في السيطرة على سعر صرف الجنيه السوداني مقابل النقد الأجنبي، والقضاء على مشكلة توفير السيولة النقدية، وتشجيع الصادر بغرض معالجة الخلل في الميزان التجاري، الذي قدره بحوالي 5-6 مليار دولار.
وقال وزير المالية، إن هذه السياسات من شأنها،حسب زعمه، معالجة الازمه المعيشية الخانقة التي تعانيها البلاد.
ولكي نتناول هذه التصريحات وتبيان ما يمكن ان تكون عليه نتائجها، علينا ان ندقق فيها مليا، ونسبر غورها، بشكل تفصيلي.
من المعلوم ان السيطرة على سعر صرف النقد الأجنبي
من ابجديات علم الاقتصاد، وان سعر صرف النقد الأجنبي مقابل العملة المحلية يعتمد بشكل كبير، على الناتج القومي والميزان التجاري للبلد المعني، أي الفرق بين صادراته ووارداته.
وزير المالية لم يقدم برنامجا او تصورا يوضح كيفية السيطرة على أسعار صرف النقد الأجنبي، وانما ترك ذلك دون تحديد او ارتباط بالموجهات الأخرى التي طرحها.
من المؤكد انه لا يمكن لبنك السودان او غيره من مؤسسات الدولة التحكم في أسعار صرف العملات الأجنبية، الا اذا تمت السيطرة على العجز في الميزان التجاري بزيادة حصيلة الصادرات السودانية و تقليص الانفاق على الواردات بالعملات الأجنبية، وهذا العجز في الميزان التجاري، مشكلة خلقها واوجدها، منذ سنوات، نظام الحركة الاسلامية الحاكم، بتدميره للمشاريع الإنتاجية الضخمة في بلادنا ( مشروع الجزيرة مثلا). واعتماد النظام الحاكم نظاما ماليا واقتصاديا موازيا للنظام المالي و الاقتصادي الرسمي وذلك بلجوئه، لتجنيب حصيلة الصادرات من البترول و الذهب في صناديق سريه غير خاضعة ولا تدخل في الميزانية الرسمية للبلاد. انما للصرف منها على احتياجاته الأمنية (80% من الميزانية الرسمية تذهب للصرف على الامن و الدفاع والمؤسسات السيادية).
في كل ما طفح من اخبار عن سياسات وخطط الحكومة (الرشيقة)، التي يترأسها وزير المالية معتز موسى، لم نجد خبرا واحدا يشير الى سيطرة وزارة المالية على كل موارد البلاد وانهاء الميزانيات الموازية (صناديق الأموال المجنبة). ولم نسمع، ولن نتوقع ان نسمع، شيئا ولو على المدى البعيد عن إعادة تأهيل المشاريع الكبرى في بلادنا (مشروع الجزيرة مثلا).
وعليه فان ما يبشر به وزير المالية لا يعدو ان يكون الا كذبة جديدة تضاف الى سجل نظامه الموغل في الكذب.
وبالنظر الى الاعلان عن توفير السيولة في المصارف، فان وزير المالية ونظامه لم يقدما حلا عمليا يعتد به. لكن الاخبار التي راجت عن زيارته لمؤسسة صك العملة تشي بما سيحدث: في الغالب الاعم سيتم طرح كميه ضخمة من العملات السودانية بفئات كبيره (100، 200 ،500 وحتى ألف)، ستحل مؤقتا مشكلة السيولة في المصارف وسيجد الناس ما يرغبون في الصرافات الآلية. غير أن لذلك مضاره الاقتصادية الخطيرة، التي لا تخفى على العين المجردة: فهذه المبالغ الضخمة التي سيتم ضخها في المصارف هي مجرد أوراق نقدية لا تحظى بتغطية سواء مقابل عملات اجنبية (صعبه) او ذهب او انتاج محلي. (اعترف معتز موسى بأن العجز في الميزان التجاري يتراوح بين 5 الى 6 مليار دولار). سينتج عن هذا الوضع وفرة في النقد المحلي مع ندرة في السلع والعملات الأجنبية الامر الذي سيترتب عليه ارتفاع حلزوني يومي في أسعار السلع والعملات الأجنبية في متوالية هندسيه يصعب السيطرة عليها.
لقد حدد وزير المالية اجلا لتنفيذ هذا الحل بعدة أسابيع. هنا علينا ان نلاحظ مثلا أن الموسم الزراعي المبشر في بلادنا يمر الآن بمرحلة دقيقة يحتاج فيها المزارعون لأموال طائلة لدفع أجور عمال “الكديق” وفيما بعد عمال الحصاد. وبدون “كديق” ونظافة للأرض المزروعة، فان مآلات الحصاد تصبح ضربا من التمنيات. إضافة الى ضرورة توفير مدخلات أخرى عجزت الدولة عن توفيرها: الجازولين والمبيدات الحشرية على سبيل المثال.
وباختصار شديد، لا شك ان وزير المالية يخادع، وفي قرارة تفكير وسياسات نظامه الحقيقية، سياسة الصدمة القاتلة.
في حديثه عن تشجيع الصادر، ركز الوزير على الذهب باعتبار أن صادره يمكن أن يسد الفجوة في الميزان التجاري. لقد كرر التأكيد مرتين بأن بنك السودان المركزي سيشتري انتاج البلاد من الذهب حسب سعر السوق الحر. وان بنك السودان استطاع شراء 120 طن ذهب بقيمة 5 مليارات دولار، بزعم انها سوف تسد الفجوة الموجودة حاليا في الميزان التجاري (الفجوة في النقد الأجنبي).
علينا ان نتذكر ونحفظ هذه الأرقام التي أوردها وزير المالية كمثال، فهذه الأرقام تكشف ما يرمي ويخطط له النظام القائم.
الواقع الحالي يوضح أن الذهب المنتج في السودان لن يحقق مبلغ 5 الى سته مليار دولار، الا إذا بيع الكيلو منه بسعر يتجاوز ال 41 ألف دولار، بينما سعر الذهب في السوق العالمي يتراوح منذ أسبوعين ما بين 37 الى 38 ألف دولار.
وهنا ثمة سؤال: ما هو السعر الحر الذي سيدفعه نظام وزير المالية لكيلو الذهب في السوق السودانية؟
سعر كيلو الذهب يوم 19 أغسطس 2018 يعادل 696792 جنيها سودانيا، وسعره في نفس التاريخ في السوق العالمي يعادل 38659 دولارا، بمعنى ان الدولار، الذي يشتري به تجار الذهب يعادل حوالي 18 جنيها سودانيا. هذه ال18 جنيها هي السعر الرسمي للدولار حسب منشور بنك السودان يوم (19 سبتمبر 2018).، وهو سعر يختلف عن السعر التأشيري (29 جنيها) المخصص لجذب تحويلات السودانيين العاملين في الخارج. و يختلف عن سعر الدولار المخصص لشراء الادوية وغيرها.
فماذا يعني حديث وزير المالية عن شراء الذهب بالسعر الحر؟
من المؤكد ان الوزير ومن ولاه الامر ينويان تطبيق سياسة الصدمة الاقتصادية بكامل مؤشراتها:
– التحرير الكامل لأسعار صرف النقد الأجنبي مقابل الجنيه السوداني.
– التحرير الكامل لأسواق الصادر والوارد، الامر الذي يعني الدخول في مرحلة تضخم حلزوني لا تحده قيود.
إذا كانت الدول التي طبقت هذه السياسات قبلنا قد طبقتها وفقا لجدول زمني ووفق قياسات اقتصاديه، فان بلادنا ستطبق فيها هذه السياسات المدمرة في ظل نظام دكتاتوري همه الأول حفظ مصالح المنتفعين منه.
معلوم انه حين طبقت هذه السياسة في شيلي نتج عنها شبه حرب اهليه، ونحن الآن نعاني من حروب اهلية.
وحين طبقتها اليونان، نتج عنها بيع كل المؤسسات اليونانية للأجانب، بحيث أصبحت الصين تمتلك في اليونان أكثر مما يمتلكه اليونانيون.
وهذا ماستؤول اليه الاوضاع في بلادنا اذا لم يسقط نظام الفشل القائم.
لا غرو ان ما سيتمخض من نتائج عن هذه السياسات المالية والاقتصادية، ما هو الا نتيجة حتمية لتبني اقتصاد السوق على نطاق واسع والرضوخ لتوجهات ووصفات صندوق النقد والبنك الدوليين، او مثلما أسمته “الإنقاذ”: (سياسات التحرير الاقتصادي، اي ما يعني في إطار دكتاتورية الراسمالية الطفيلية للحركة الإسلامية الحاكمة).
تبقى الاشارة الى ان التصريحات التي اعلنها الوزير ، لا جديد فيها، فهي ترديد لسياسات من سبقوه منذ اغسطس 1992، وهي تلبية لضغوطات صندوق النقد والرأسمالية الطفيلية، بطلاء جديد.
وهي بذلك لا تنفك عن جذور وإطار مسببات الأزمة. وهي ايضا تسير على ذات النهج، كما في السابق، بملاحقة النتائج والعجز عن مواجهة المسببات .
فيما ظللنا في حزب البعث نؤكد على أن دكتاتورية وشمولية الحركة الإسلامية، هو التحدي الأكبر الذي يواجه الاقتصاد السوداني، وتطوره المتوازن والمستقل.
Leave a Reply