المدخل الصحيح لعلاج الحمى في كسلا هو الاعتراف بها

كلمة_الهدف

المدخل الصحيح لعلاج الحمى في كسلا هو الاعتراف بها
22 سبتمبر 2018

من خلال التقارير التي أفردتها “الهدف” منذ بداية تفشي الحمى المعروفة محلياً باسم (الكنكشة) بمدينة كسلا وأريافها، بدت صعوبة التفريق بين أعراض المرض وأعراض حمى الضنك، وهي الحمى النزفية القاتلة، مع انتشار أنثى الباعوض الناقل بمدينة كسلا في الآونة الأخيرة، ومناطق أخرى كمدينة بورتسودان من قبل، خاصة في العام 2005م والتي أعلن وقتها وزير الصحة بالبحر الأحمر خلو الولاية من حمى الضنك في وسائل الإعلام، بينما كان يمر كل ليلة على حوادث مستشفى بورتسودان للسؤال عن دخول مصابين جدد للمستشفى، فقط مرور الكرام، دون احصاءات رسمية أو تدخلات للسيطرة على الوباء الذي أودى بحياة الكثيرين عامئذٍ، ما يؤكد علمه المسبق بتفشي الوباء، فما كان القصد من وراء إخفاء حقيقة الأمر؟ هل هي تعليمات عليا وأسباب سياسية؟ أم أن أرواح المواطنين وصحتهم ليست في حسبان النظام؟ وعملياً نجد أن ميزانية الصحة في كل السودان لم تتجاوز 2% من جملة الموازنة التي تذهب لتأمين كراسي السلطة، عليه فهل الإعلان عن الشيكونغونيا هو غطاء إعلامي لتفشي حمى أخرى قاتلة، كحمى الضنك؟ أم أن الوضع لم يصل بعد لمستوى الوباء، حسب تقديرات النظام؟
ومع تزايد انتشار المرض وأعداد المصابين إلى أكثر من 90 ألف مصاب في كسلا، حسب تصريحات رسمية، وارتفاع عدد الموتى وسط فئات عمرية 20-25 سنة، بتسجيل وفاة حالتين على الأقل وسط الكوادر الصحية، ليس كما هو شائع عن حمى الشيكونغونيا، حين تكثر حالات الوفاة وسط المسنين، يبرز التساؤل عن متى سيعلن النظام كسلا منطقة وباء؟ بالضنك أو (الكنكشة)؟ وكم عدد المصابين الذي يجعل النظام يصحو من سباته، وكم عدد المتوفين الذي يجعل الضوء أحمراً ويطلق صافرات الإنذار داخل وزارات النظام كافة، والصحة خاصة؟
وتلاحظ أيضاً أن الجهات الرسمية أعلنت على استحياء، أن الحمى المنتشرة هي الشيكونغونيا على الرغم من عدم توفر معامل متخصصة توصلت إلى تشخيص المرض عن طريق فحوصات مصلية وفيروسية، ولكنها على ما يبدو، اكتفت بذلك لتبرير قصورها وعدم اهتمامها التام، بوصف أنه لا علاج شافي للمرض وأنه ليس قاتلاً إلا لبعض الفئات العمرية كالمسنين، وأنه فقط يتم التعامل مع تخفيف حدة الأعراض باستعمال مسكنات الألم وخافض الحرارة كالبنادول (الباراسيتامول) مع زيادة تعاطي السوائل عن طريق الفم أو المحاليل الوريدية، وذاك بدوره فتح سوقاً جديدة للتكسب من المرض بدلاً عن مكافحته! فزادت أسعار الدواء والمحاليل الوريدية تبعاً لزيادة الطلب والحوجة إليها.
ولكن كل ما يحدث ليس ببعيد عن (فقه) النظام في التعامل مع تفشي الأوبئة كما حدث من قبل إبان انتشار مرض الكوليرا، فلم تتكون لجان أو خلايا أزمة (كما حدث في الجزائر) الشهر الفائت عندما انتشرت الكوليرا بالجزائر العاصمة، نشرت “الهدف” تقريراً إخبارياً عنه، كان القصد منه عقد مقارنة مع تصريح أعلى جهة بوزارة الصحة لديهم عندما أعلن خلال مؤتمر صحفي عن تفشي وباء الكوليرا ولم تتم التغطية الإعلامية والتكتم على ذلك كما يحدث من قبل نظام الفقر والمرض والإفساد في كل مرة، وإعلان الأمر على أنها اسهالات مائية، على الرغم من سهولة السيطرة على الأوبئة المنقولة بواسطة ناقل أو عائل وسيط وذلك بكسر حلقة الدورة الحياتية للناقل وبذلك تنكسر حلقة انتقال المرض من المصابين إلى غير المصابين، بالتخلص من الباعوض الطائر بواسطة المبيدات، وتقليل امكانية التعرض للسعاته، خاصة خلال النهار، واستعمال الناموسيات المعالجة بالمبيدات الحشرية للمصابين والأصحاء (احتواء المصاب والمخالط) وبالتضافر مع حملات النظافة وتجفيف مصادر توالد الباعوض..إلخ والتي هي أقل تكلفة من معالجة المرضى والمصابين بالفيروس بالعقاقير والمحاليل الوريدية متى ما وجدت الإرادة السياسية، والمقولة القديمة والمعروفة أن درهم وقاية خير من قنطار علاج.
أما ترك الأمر للجهود الشعبية، المجتمع المحلي فقط، فهو من الاستحالة بمكان التغلب على الأوبئة، وهذا ما يعكس غياب التخطيط، والاستعداد لمواجهة الأوبئة والكوارث، والتقصي عن تفشي الأمراض والرصد وتطوير نظام التبليغ عن الحالات، فكيف للمصاب ومن يرافقه أن يقوم بدور النظام في معالجة المشكلات البيئية والصحية؟ والرصد والمتابعة ورفع التقارير؟ فمن الممكن أن يشارك وبفعالية، بتضافر الجهد مع المبادرات، ومنظمات المجتمع المدني، والخيريين، والتي تثمن “الهدف” ما تقوم به جميعها، (بتشكيل جملة من التدخلات) ولكن أن يترك لها الجمل بما حمل فهو يمثل تملص النظام عن الاعتراف بتفشي الوباء وتحمل مسؤولياته تجاهه، وهذا الاعتراف هو المدخل لمنظمات الصحة العاملة والداعمة لوزارة الصحة الرسمية، كمنظمة الصحة العالمية، كما حدث إبان تفشي مرض الإيبولا الأخير في غرب أفريقيا (غينيا، سيراليون، ليبريا، نيجيريا والسنغال) العام 2014م، وعلى الرغم من اقتصار دعمها على الجوانب الفنية والتقنية والإرشادية والتدريب ونشر البروتوكولات العلاجية وطرق الوقاية إلا أنها ومع حكومات البلدان المنكوبة نجحت في مكافحة المرض الخطير والقاتل على رغم من سقوط ضحايا وسط الكادر الصحي نفسه. ولكن بدون إعتراف رسمي وبشكل مباشر وبتكوين لجان الأزمة وبدء التدخل الميداني وإشراك المجتمع المحلي، واقتصار الدور على المراقبة فقط وإبداء القلق من الوضع الصحي الذي فاق وصفه الكارثة.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.