
جبال النوبة الازمة والمخرج
عبدالله ابوهم العشا 15 دسمبر2013
بعد القضاء على الثورة المهدية استمرت مقاومة الشعب السودانى للإستعمار,وتوالت الثورات والإنتفاضات فى الشرق والغرب والوسط ووصلت الإنتفاضات فى جبال النوبة إلى سبعة عشر إنتفاضة ,أقواها وأبرزها ثورة السلطان عجبنا وعبد القادر ود حبوبه والفكى على الميراوى ,ولم يتوقف سيل النضال والجهاد الذى تجلى فى أعظم ملاحمه فى ثورة اللواء الأبيض 1924م التى إنحدر قادتها من جبال النوبة تعبر عن الروح الوطنية وإمتداد طبيعى للثورة المهدية .
وبنيل السودان إستقلاله بدأت مرحلة جديدة فى التاريخ الوطنى تسيدتها تطلعات وأشواق السودانيين الى حياة حرة وكريمة ,وبفشل الاحزاب التقليدية ومن بعدها النظام العسكرى الاول الذى خرج من عباءة الطائفية وشكل امتداداطبيعى لفشلها وعجز الطبقة البرجوازية والراسمالية ,ومع تفاقم الاوضاع الاقتصادية والمعيشية واستمرار الحرب فى الجنوب فجرت الجماهيرالثائرة ثورة اكتوبر,و قبيل ذلك فى عام 1963 نشأت فى المناطق الاكثر تخلفا بعض الحركات المطلبيه منها اتحادعام جبال النوبه.الذى نادى بالمطالب المشروعه لسكان تلك المناطق فى الادارة والعدالة والخدمات ,وقد كان للسياسه البرطانيه الدورالاكبرفى صنع التأخر الحاد فى جبال النوبه كما أثر قانون المناطق المقفولة فى طرح خطاب سياسى حدوده المناطق المقفولة جراء العزله الطويله والاميه والتجهيل المتعمد ووقف التلاقح والتصاهر الاجتماعى والثقافى .حمل اتحادعام جبال النوبه مند نشاته بذور الخلاف .فما لبث ان انشق الى ثلاثة اجنحه شكل أحد اسباب الانقسام الخلاف حول الهويه ,التى كانت محل سجال بين مدرستى الغابه والصحراء بالاضافه للاتهام المباشر للعناصر العربية والقوى التقليدية فى ذلك الانقسام ,وكان اقوى الاجنحة هوجناح القس الاب فيليب عباس غبوش الذى فاز بـ 13مقعد بعد ثورة اكتوبر, وبـ 8 مقاعد فى الديمقراطبة الثالثة بعد انتفاضة مارس ابريل .ولقد لعب دورا عظيما فى ارتياد ابناء النوبه العمل السياسى واستنهاض وتوجيه النوبه سياسيا ,ويعاب عليه التعبئه العاطفيه والعنصريه التى انتهجها ,وتحميله للفوارق الاجتماعية والاقتصاديه اكثر مما يؤكده سياق تطور المجتمعات ,واغفاله النتائج المتولده من سياسات وتوجهات السلطات الحاكمه ,وما تعبرعنه وتجسده من مصالح ,وانعكاس ذلك على السلم الاجتماعى للطبقات والفئات الاجتماعيه الاخرى . فالمجتمعات التى تعانى من امراض التخلف الفقر والجهل تجد فيها الدعوات الجهويه مناخا مواتيا للتأييد والقبول والإنتشار ,ومع نقص الوعى وغياب الديقراطيه, وهيمنة الراسمالية تصاب الحركات السياسيه والمطلبيه الطامحه لتغيير الواقع بامراض ذلك الواقع حيث تصبح ترجمة وانعكاس للواقع نفسه .عامل اخر ساهم فى اختيار الرقعه الجغرافية والاثنية النوبية اطارا سياسيا لاتحاد عام جبال النوبه,هوفشل الاحزاب التقليدية فى البلاد بعد الاستقلال لم يكن يغرى المجتمع المحلى فى الانتساب لها او الثقه فى تحقيق مطالبها, ومع الوضع فى الاعتبار ان تقسيم النفوذ بين الطائفتين الكبيرتين لم يشمل حصريا جبال النوبه لإحدى الطائفتين كما كان يعكسه المشهد السياسى فى بقية السودان. مع وجود قدر من النفوذ فى السابق فى بعض الجبال.عامل اخر اكثر اهمية ,وهو ان البنية الهيكلية للطائفية القائمة على الانتماء القبلى, والاعتماد على الروابط العشائرية والجهويه والاسرية فى مفاصلها الداخلية , مع وجوب الطاعه والانقياد الاعمى للزعامة الدينية والسياسية ,كل ذلك خلق سياجا منيعا فى وجه المجموعات النوبيه ,بتعددها القبلي وتمايزها الثقافى ومعتقداتها الوثنية ,الامر الذى يدفع بالقول ان الطائفية هى الترجمة السياسية والعملية لقانون المناطق المقفولة .ولاغرو فى ذلك اذ ان قانون المناطق المقفولة قانون بريطانى قصد به وقف التفاعل والاندماج الوطنى بين مختلف التكوينات الاجتماعية .وان حزب الامة صنيعة بريطانيه الهدف من انشائه تحنيط الثورة المهدية وخنق روح الثورة والجهاد لدى الثوار المهدويين ,وتقزيم هذه الروح فى ولاء ضيق لابناء المهدى ,وتوظيف الانصارفى نظام سياسى طائفى شبه اقطاعى لايتجاوز افق الفرد فيه البيت والطائفه, ولايتجاوز دوره المرسوم حدود الطاعة العمياء للزعامة الدينيه والسياسيه,التى ورثت الثورة المهدية كتاريخ وسلطة اسرية شبه اقطاعية وليست كمشروع للتحرر والانعتاق , بذات الافق الذى طرحته كتابات وحملات الثورة المهديه .فكان الفارق مابين وراثة ابناء الثورة للثورة ,ووراثة ابناء المهدى للثورة ,هونفسه الفارق بين الاحتفاظ بسيف المهدى وبين اهداء سيف المهدى فى غمده.
انتهت الديمقراطية الثانية بانقلاب مايو 1969 .والذى عجت مرحلة السبعينات من عمره بالمحاولات الانقلابية العديدة للتغيير,منها حركة هاشم العطا فى 19 يوليو71 ,و المحاولة المسلحة للجبهة الوطنية من ليبيا ,وانقلاب حسن حسين ,وكان النظام منح الجنوب الحكم الذاتى الاقليمى حسب اتفاقية اديس ابابا 1972م ,وفى ذات الفترة شهدت منطقة جبال النوبه نشوء تنظيم كومولو, وبعده عدد من المجموعات السرية منها الكتلة السوداء ,وقدكان للسلم التعليمى الذى اختطه النظام ,وما اتاحه ذلك من زيادة اعداد الطلاب المتعلمين دور مهم فى زيادة الوعى السياسى بقضايا المنطقة ,وهيأت البيئة الدراسية فرص تنامى وتلاقح الافكاروالاستقطاب السياسى .ومن هذا الجيل خرجت الطلائع الاولى التى كونت تنظيم كومولو, وشكلت قيادته ,والذى اصبح له الدور الاكبر فى قضية النوبه, وما صاحبها من تطورات ومنعطفات لاحقا. ولقد قاد توجه النظام نحو مصر وابرام اتفاق التكامل بين مصر والسودان, الى اتاحة الفرصة لابناء جنوب كردفان للالحتاق بالجامعات المصرية .وكذلك الحال لطلاب الاقليم الجنوبى بامتيازات حصرية دون بقية الطلاب الشماليين .هذه البيئة الدراسية اتاحت فرص الحواروالاهتمام بمشاكل المنطقة ,وعقدالمقارنات والشكوى , ترافق ذلك مع هيمنة الاتجاه الاسلامى على الاتحاد ,واستقلال رابطة الطلاب الجنوبيين عن الاتحاد ,وكذلك كانت رابطة ابناء جنوب كردفان مستقلة عن الاتحاد كرد فعل على الكاركتيرالعنصرى بمجلة الثقافى التى يصدرها الاتحاد العام للطلاب السودانيين .وفد حمل دستور الرابطة نهاية دورة الاستاذة عفاف تاور مادة دستورية ان لاتضم الرابطة ولايناقش مستقبلا اى مقترح بضمها الى الاتحاد العام التابع للكيزان .ولقد استثمر الحزب الشيوعى وواجهته الطلابية الجبهة الديمقراطية هذه الوضعبة وسط المجموعتين . خاصة اثناء الانتخابات ,وشكلت الساحة الطلابية بيئة امنة للتقارب بين الطلاب الجنوبيين ,والطلاب من ابناء النوبة الذين شكلوا رافد نوعى امد الحركة الشعبية بالكادرالقيادى المقاتل و المتعلم .حدث مهم فى ذلك التاريخ فشل المحاولة المسلحة للكتلة السوداء فى استلام السلطة عام83 ,ومحاكمة قادتها بالاعدام ,ووصف النظام المحاولة بالعنصرية ,واستنكر مجتمع النوبه ذلك الوصف خاصة انه سبقتها عدة محاولات لم تنعت بذلك الوصف .تزامن ذلك كله مع توجه النظام نحواليمين,وركوبه موجة التدين بعد المصالحة الوطنية,وتوج ذلك بفرض قوانين سبتمبر83م,التى طالت بدرجة كبيرة ابناء النوبه,والجنوبيين.اعلان تمرد كتيبة بوروالبيبور, وظهور المنفستو الاول للحركة الشعبية ,شكل بداية لرؤية ووسيلة جديدة للصراع عولت فيه على الاطراف فى احداث التغيير للدولة والهوية. وكان لموقف القذافى الداعم للحركة, ونظام منقستو,والنظام الماركسى فى اليمن الجنوبى ,دور كبير فى قوة وانتشارالحركة ودعمها .وبالاخذ فى الحسبان التطبيق الانتقائى العرقى المتعسف للحدود وتقسيم الدولة والمجتمع الى نصفين مسلم وكافر وتحويل الصراع الى صراع دينى واثنى .كل ذلك دفع تنظيم كومولو للرهان على الحركة الشعبية ,واعتبار الخلاص فى التوجه نحو الجنوب وصرف النظر عن الشمال . فاعلنت قيادته انضمامها فى 84 م للحركة الشعبية بعد ان غادرت سرا الى معسكرات الجيش الشعبى . وابتدرت نشاطها العسكرى بالهجوم المسلح فى السابع من رمضان عام 85م على القردود .وهى بادرة غير موفقه .استهدفت فيها المدنيين من القبائل العربية ,وليس القوات المسلحة . فكانت اول رسالة سالبة دفعت بها الحركة لمكونات النسيج الاجتماعى من القبائل غير النوبية,خلقت بها الحاجة والرغبة لديهم فى امتلاك السلاح ,وتجارته ,وهياتها للاصطفاف القبلى ,والى البحث عن الحماية الذاتية.للمجموعة ,وعند مقارنة اول عمل مسلح لاعلان التمرد الاول انانا وان ,واول عمل مسلح لاعلان التمرد فى جبال النوبه .هناك تشابه وتطابق فى الاستهداف العنصرى المسلح ,بين العملية المسلحة الاولى للتمرد الاول فى اغسطس1955م, والهجوم العسكرى الاول على القردود فى السابع من رمضان1985م,مما يؤكد الطابع العنصرى للحركة الشعبية ,وانحراف كومولو عن مشكلة جبال النوبا ,النابعة من الظلم المركزى للاقليم من قبل الحكومات الوطنية . الى استيراد ونقل صراع الجنوب مع الشمال ,الى مجتمع جنوب كردفان المتداخل والمتعايش ومالتصاهر لحقب طويلة .واذا كان بالامكان ايجاد العذر والتبرير لحركة انانيا وان فى استهداف الشماليين, لحداثة خروج المستعمر ,فلا يمكن اعتبارضربة القردود خطا غير مقصود خاصة ان اول عملية مسلحة لاعلان الخروج عن الدولة ,تخضع للدراسة العميقة والتقييم الشامل للنتائج والفعل ورد الفعل المباشر وغير المباشرعلى السكان المحليين والسلطة وهو مالم يغب عن قيادة الجيش الشعبى .
بعدانتفاضة مارس إبريل مع متانة الرباط الكاثوليكى بين الجبهة القومية الاسلامية والصادق المهدى,واستمرارالصراع حول قوانين الترابى الاسوا من قوانين سبتمبر.الامرالذى زاد من تعقيدات الوضع السياسى والاقتصادى, ومع ذلك استطاعت قيادة الحزب الاتحادى (المرغنى)مع قيادة الحركة (العقيد قرنق)الوصول لاتفاق سلام فى كوكادام .الذى رفضه الصادق المهدى بحجة ان لديه ملاحظات على الاتفاق .وبتغيير الحال و الاحوال وتبدل المواقع .تبخرت فى مؤتمراسمرا للقضايا المصيرية ملاحظات الصادق وقبل باعطاء الجنوب حق تقرير المصير.
بالرجوع الى انضمام كومولو للحركة الشعبية ,يمكن ملاحظة ان كومولو لم تكن حزبا نشط سياسيا مثل الحزب القومى ولم ينتهج هو اوغيره النضال المسلح وان محيطه الجغرافى والديمغرافى, جبال النوبه وان طرحه السياسى فى حدوداقليم جنوب كردفان بينما الحركة امتداد لحركات جنوبية سابقة وفى نسخة ايديولجية ماركسية اشتطت فى قراءتها وتحليلها لمشكلة التطورالوطنى باوجهها المتعددة فمن ناحية الخبرة الساسية ,و العمل المسلح لم يكن لكومولو مايمكنه من الاحتفاظ بثوابته و بالخصوصية النوبية سياسيا وثقافيا واجتماعيا ومعتقدا ضمن حركة مسلحة تمثل قبيلة الدينكا العمود الفقرى والثقل العسكرى فيها وتحتكر فيها قبيلة الدينكا القيادة .علما بانها من اكبرالقبائل السودانية واشدهاعنصرية ومن المسلمات ان اسلوب العمل المسلح يؤدى الى سيطرة القبيلة الاقوى ,وسيادة قانون الغابة .فكانت النتيجة المرة هى وقوع النوبه وارض النوبه تحت سيطرة الدينكا. وحصد الجنوب ثمارنضال وتضحيات ابناء النوبه وعانى الالاف من الاطفال من الخطف والتجنيد القسرى فى معسكرات الجيش الشعبى ودول اجنبية ذات مصالح وحصدت الحرب ارواح الالاف منهم وظلت محرقة الحرب فى حياة قرنق وقيادة الحلو تبيد النسل, ولقد دابت جبال النوبه على رفد الحركة الام بالمقاتلين الاقوياءوالاشاوس واصبح النوبه العصب الاساسى للجيش الشعبى .الا ان الماساة الكبرى انقطاع صلة الكثيرين منهم بارضهم واسرهم, ومجتمعاتهم وفقد كثير من الاطفال هويتهم, وملامحهم المحلية وكست وجوههم ملامح جنوبية بوضح.ومارست الحركة ابشع انواع الظلم ضد النوبه فاعدمت القيادات من كومولو (عوض الكريم كوكوتيه و يونس ابوسدروغيرهم).واحتفظت بالمواقع القيادية لابناء الدينكا واصبحوا الآمرين والناهين حسب اهوائهم واستعلائهم العرقىوهو ما تأباه كرامة واباء النوبه . وحفلت مسيرة النوبه داخل الحركة الشعبية الام بكثير من الظلم والكراهية والاستهداف وتعرضت المراة النوبية لاقسى انواع العنف والتسخير. فكانت النتيجة الطبيعية مغادرة الكثيرين (منهم صاحب فكرة تنظيم كومولو((كوكو محمد جقدول/محمد هارون كافى وغيرهم ) معسكرات وساحات المعارك الى دول اوربا واسيا . واستطاعت المجموعات المهاجرة بسبب الظلم الذى قاسوه من الحركة, وسلطة الانقاذ ان يقدموا الكثير لمشكلة النوبه عبرالمنابرالاقليميةوالدوليةوالمنظماتوالاتحادات التى انشاوهاوشكلوا فيها وجود وحضور دائمين .
فى 30 يونيو89 وقع انقلاب الجبهة القومية الاسلامية الذى تبنى منذ اليوم الاول خيار الحرب ودحر التمرد وبوصول الاسلام السياسى للسلطة اتفتحت صفحة للصراع بين المركز والاطراف باليات وشعارات دينيه وعرقيه مفتته.فاعلنت السلطة الجهاد ضد الكفر وعسكرت المجتمع بفرض الخدمه الالزاميه وصنفت الجميع بين موال وطابور خامس .واخذ الناس فى جنوب كردفان باللون والعرق وكان لزاما على النوبه المواليين للنظام بذل جهداكبر فى الوشاية ورصدالاخرين ورفع التقارير والتبليغ لاثبات ولائهم وحماية انفسهم من الاجهزة الامنية .التى مارست ابشع الجرائم و بداء بالاختفاء فى المجهولوالتعذيب والارهاب والفاق التهم والاكاذيب الباطلة فقد المواطن الامن والثقة وزرعت وغذت الفتنة و الكراهيه والحقد بين المواطنين وبين القبائل وبذات المنهج وفى سياق الفعل وردالفعل المضاد سارت على ذات النهج الحركة الشعبية فاندثر ارث غنى وزاخربالترابط والتعايش القبلي المعافى وحلت العداوات والتارات محل الاحلاف والتواصل وكان للمفاهيم الجديدة التى رفعتها السلطة ودخول فئات مدنية الى جانب القوات المسلحة فى الصراع المسلح اثر بالغ فى تحطيم وتدمير مجتمع جنوب كردفان والقضاء على التعايش السلمى والترابط والتراحم الاهلى الذى صنعته حكمة وكفاءة ووطنبة الادارة الاهلية قبل تمزيقها وتنصيب الموالين فى صناعة التمكين.
اقحام واشراك المجتمع كله في حرب الترابي الدينية من خلال كتائب المجاهدين وقوات الدفاع الشعبى ,وكتائب الطلاب واخوات نسيبة قاد الى شطر المجتمع الى موال موعود بالجنة ام نعيم, او متمرد وطابور خامس لاجهزة السلطة والتلفيق التهتم بهم فاختفى الكثيرين من الابرياء والبسطاء وهاجر سكان الجبال الى مدن الشمال مكونين احزمة الفقر والبؤس .وارغم البطش واخذ الناس بلونهم وعرقهم على الوقوع فريسة للجيش الشعبي ومعسكراته بحثا عن الامن والنجاة بارواحهم ولم يكن امام الكثيرين من الخريجين والمهاجرين من ابناء المنطقة سوى الانضمام لمعسكرات الجيش الشعبى أواطالة هجرتهم .شهدت بدايات عقد التسعينات انهيار الاتحاد السوفيتى والمعسكر الاشتراكى فقلبت الحركة الطاولة على شعاراتها الاشتراكية وتيممت صوب امريكا واوربا فاصبحت اسيرة للتبشير الكنسى والمطامع الاسرائلية .
جميع الاطفال فى الشرائع السماوية غير مساءلين الاعند بلوغهم سن الرشد الا ان اطفال النوبه فى فقه الترابى وشريعة الانقاذ مجرمين وسيصيروا كفرة ومتمردين وكل الاطفال في العالم تحميهم القوانيين وحقوق الطفل من التجنيد والسخرة الا اطفال النوبه لم تراعى دكتاتورية قرنق واجندة الحلو حقوقهم فاصبح عليهم باستمراران يكونوا وقودا دائم للحرب وباستمرارالماساة وخيبة الامل والرجاء قادت البعض الى اوربا ومن بين اولئك محمد هارون كافى ورفاقه الذين توصلوا الى اتفاق سويسرا مع حكومة المؤتمر الوطنى بعد المفاصلة وهو اول اتفاق ينفرد بمعالجة مستقلة للمشكلة من خلال ممثلين حقيقين من ابناء جبال النوبه بغض النظر عما عليه من ملاحظات ,الا ان قيمتة الكبيرة فى كونه اول محاولة جريئة لتاصيل الحل والاستقلال بالمشكلة , من تقاطعات وتداخل المصالح الجنوبية والاقليمية والدولية .ومن ايجابيات الاتفاق الادراك المبكر لفصل قضية جبال النوبه عن مشكلة الجنوب. علاوة على ذلك الدرس القيم لاتفاق سويسرا ضرورة واهمية ان يتوحد الجميع فى المنطقة حول رؤية وبرنامج واحد للحل فى ظل نظام شمالى يعمل على التمزيق والتشتيت ونظام جنوبى يسعى على الضم والالحاق .فالاتفاق نبه جون قرنق الى خطورة استقلال النوبه بقضيتهم ,وفقدانه قوة اجتماعية وعسكرية ,مكنت لاول مرة حركة التمرد من احتلال المدن والتوسع حتى جبال النوبه شمالا. فاستقلال النوبه بقضيتهم يفقده عمق استراتيجى عسكرى وسياسى وينزع عنه صفة تمثيلهم واعادة الحركة الى التعبير عن الاقليم الجنوبى فقط .
فى مارس 2003 اندلعت الحرب الاهلية فى دارفور فازداد عبء وتكلفة مواجهة التمردات المسلحة على النظام وشكل تعدد ساحات المواجهة عامل ضاغط على النظام للوصول لاتفاق سلام وبالفعل تم فى 2005 ابرام اتفاق نيفاشا بين حكومة المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية ,دون بقية القوى السياسية فى الشمال والجنوب .وخاضت الحركة الشعبية المفاوضات وفى يدها قضية جبال النوبه اضافة الى حق تقرير المصير الذى منحه التجمع الوطنى الديمقراطى فى مؤتمر القضايا المصيرية باسمرا .حيث كانت قيادة الحركة الشعبية بزعامة الراحل جون قرنق مدركة تماما لطبيعة التحالف التكتيكى والمرحلى لقوى المعارضة معها ورهانها على القوى العسكرية للحركة وان القوات العسكرية التابعة لبعض فصائلها لاتستمر طويلا على وسيلة الكفاح المسلح لاسقاط النظام ,ودونه تجربة الجبهة الوطنية فقبل ان تجف دماء الشهد اء صالحت الجبهة الوطنية نظام نميرى وهاهى ذات القوى تعود لاجترار فشلها فى ثلاثة تجارب ديمقراطيية اضاعتها بايديها .اضافة ان التجمع كان يعانى من الصراعات الداخلية التى عصفت به فيما بعد .عوامل الضعف هذه اضافة الى فقدان التجمع الارادة المستقلة بالاعتماد على الدعم الاجنبى جعلت من التجمع فى مؤتمر القضايا المصيرية بلا قضية مصيرية سوى الوصول الآنى للسلطة عبر بندقية الحركة الشعبية وسرعان ماعاد الصادق المهدى فى 2000م وعاد جيش الامة ليلاقى مصيرا اسوا من الذى لاقاه جيش الجبهة الوطنية فى احداث المرتزقة 76 م ,ولاغبار فى ذلك فقد اعتادت القوى الطائفية عندما تعارض من الخارج ان تقتات علي مائدة الاجنبى , وان تاكل فى مائدة السلطة عندما تعارض فى الداخل.
وحفاظا على ماء الوجه اعطى التجمع فى نيفاشا صفة المراقب وتقاسم المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية السودان وضاعت فى كعكة التقسيم هذه قضية جبال النوبه ,وعند تطبيق الاتفاق بدا الصراع منذ الخطوة الاولى حول تقاسم الحقائب الوزارية الاتحادية ولم يكن فى حصة الحركة وزارة واحدة لقطاع جبال النوبه وبموجب الاتفاق تقاسم المؤتمر وقطاع جبال النوبه رئاسة الولاية وواتسمت الشراكة بالصراعات والخلافات المستمرة بعيدا عن قضايا المواطن فى جنوب كردفان, وكان ابرز المناكفات الصراع حول رئاسة المجلس التشريعى ووزارة المالية والسجل الانتخابى والصراع على الارض بين الرعاة والمزارعين …..الخ الامر الذى نتج عنه غياب الدولة وسلطة القانون والمحاسبة وغاب جراء ذلك الامن والامان. وبرزت التفلتات الامنية وازدادت دائرتها و حدتها واحتكرت الحركة حرية الوصول لمناطق تمركزها لعضويتها .فاصبحت مناطق الحركة مقفولة فى وجه الولاة ناهيك عن المواطنين وعقدت الحركة مؤتمراتها القبلية والتى استهدفت منها منع التداخل والتواصل الاجتماعى والاقتصادى والثقافى مع مكونات النسيج الاجتماعى فى جنوب كردفان من القبائل غير النوبية .وكانت المؤتمرات القبلية فيها استلهام لروح قانون المناطق المقفولة الاستعمارى واعادة انتاج جديده له فى قالب عرقى ثورى زائف . استثمرت الحركة الفترة الانتقالية فى التوسع الجغرافى والاستقطاب السياسى القبلى والتدريب العسكرى الذى بدا منذ اول يوم للشراكة .بل وفرت للاجنبى ومخابراتة الحماية وحربة الحركة والنشاط فى مناطق سيطرتها,وفى عاصمة الولاية عندما حمت مجموعة من الاجانب الذين دخلوا البلاد بطرق غير رسمية .وفى الاتجاه المعاكس اجج المؤتمر الوطنى النعرة القبلية والعنصرية لدى القبائل العربية خاصة بعد اشتداد نفوذ الحركة وسط القبائل العربية .هادفا ضرب سياج سياسى قبلى يجنى من خلاله ولاؤها . ولقد عملت منذ فترة طويلة جهات نافذة فى السلطة الحاكمة على اصدار بيانات عرقية باسم قريش ونشطت عناصر المؤتمر الشعبى فى فترة الشراكة فى تسليح القائل الرعوية وحظى المتساقطين من المؤتمر الشعبى بمنصب الوالى ونائبه وبعض الوزارات .وكانت الحصيلة النهائية المتوقعة للشراكة هى تحطيم واندثار علاقات التاخى القبلى وحصد العديد من الثارات القبلية وانتشار السلاح والشائعات وفقدان الثقة وسيادة مفاهيم وسلوكيات غريبة ومدمرة .وقرب نهاية الفترة الانتقالية دفع الشريكين الى منصبى الوالى ونائبه بكوادرهما القياديه و كمرشحين مستقبلا لمنصب الوالى. الذى لايقبل القسمة بعد نهاية الفترة الانتقالية ,ومن اجل الفوز بالمنصب دفعت حكومة الانقاذ باموال طائلة انفقت فى البنية التحتية الطرق ومبانى الوزارات والاستاد وبعض المشاريع بعيدا عن اولويات التنمية. وكانت الحركة الشعبية تسعى لحكم الولاية بالانتخابات بحسب رؤيتها او بالقوة. وكان وجود عبدالعزيز الحلونائبا للوالى فى اخر الفترة الانتقالية اشارة الى اهمية حكم الولاية. وارتباط الموقع بقرارات معنى باتخاذها التزاما ,وتصريفا للوضع المعقد لتبعية قطاع الجبال عسكريا وسياسيا لدولة جنوب السودان بعد الانفصال. فبحسب الهرم التنظيمى للحركة الشعبية فان قطاع جبال النوبه لايملك صلاحية اتخاذ القرارات المصيرية. وانما الصلاحية لقيادة الحركة المركزية وللطبيعة الدكتاتورية للغريمين وعدم الايمان بقواعد اللعبة الديمقراطية. خاض الاثنين الانتخابات التكميلية على اساس الفوز فقط باى ثمن, وكان ابلغ تعبير عن ذلك الشعارات المرفوعة (هارون يا القيامة تقوم) ويناطره شعار (النجمة يا الهجمة )فكانت الهجمة فى 6/6/2011عقب انتخابات غير ديمقراطية ومشكوك فى نزاهتها خاضها المؤتمر بكل امكانيات الدولة حيث قسمت المحليات على بقية الولايات على ان تفوز مرشحى المؤتمر الوطنى. وعلى ذات النهج خاضت الحركة الانتخابات بامكانات دولة جزب الحركة الشعبية والكنائس العالمية ومنعت الحركة فى مناطق سيطرتها العسكرية لجان الانتخابات من الوصول اليها. وسجلت العديد من الشكاوى والمخالفات وبعد اعلان النتيجة كان اندلاع الحرب من جديد مسالة وقت لم يطول. بدات الحركة الحرب بقصف مدينة كادقلى فحولت المدينة الى ساحة للنيران وتاذى العديد من الاطفال والطلاب والابرياء وزهقت الكثير من الارواح ودمرت كثير من المنشات ونهبت الممتلكات والاسواق وكشفت الحرب ضلوع بعض المنظمات الطوعية فى التأمر وتنفيذ اجنده اجنبية .
شهدت الشهور التى تلت اندلاع الحرب مرة اخرى فى ولاية جنوب كردفان تصعيد كبير للعمليات العسكرية, وتدخل مشاركة ومساندة دولة الجنوب الوليدة. وحاولت الحركة مرارا الاستيلاء على مدينة تلودى وفى سبيل ذلك قذفت المدينة والسكان بمئات القذائف ولم تنجح ففقدت التاييد والتعاطف من قبل مواطنيها. بعد ذلك تقطعت العمليات العسكرية متاثرة بتارجح العلاقة بين دولة الشمال والجنوب وبالصراع الداخلى للحركة الشعبية الى ان وصلت العلاقة الى حد المواجهة المسلحة بعد احتلال دولة الجنوب حقول النفط فى هجليج. بعد طرد الجيش الشعبى من هجليج انكفا الجنوب على نفسه من اجل معالجة ازماته الداخلية وحسم الصراع بين مراكز القوى فى السلطة وفى اوائل 2013م توحدت بعض الحركات المسلحة الدارفورية مع قطاع الشمال وقد كان لتحالف الجبهة الثورية اثر بالغ فى نقل الصراع الى شمال كردفان وممارسة الابادة السياسية والعرقية وارتكاب جرائم الاغتصاب,, والحال فى ابوكرشولا ونهب اموال وممتلكات البسطاء والفقراء واستباحة اعراضهم. وكما تدين تدان عانى المواطنين فى مناطق سيطرة قطاع جبال النوبه من اضطهاد حركات دارفور. واستباحة اعراضهم فى ويرنى والمورو وانقارتو وكجورية, وغيرها من المناطق التى اصبحوا فيها الامر, والناهى ولم يشذ منسوبى النيل الازرق عن ذلك فى اضطهادو ارتكاب الجرائم بحق النوبه والمراة النوبية.
تحت عدد من الضغوط الاقتصادية والسياسية ابرزها المظاهرات التى اعقبت رفع الدعم عن المحروقات والفراغ الدستورى وقرب موعد الانتخابات, واكتساب الجبهة الثورية يوميا مساحات جديدة على الارض, وقطع الطريق الرئيسى لولاية جنوب كردفان. ومع توجه النظام, واستعدادة لجولة جديدة من الحرب بعد ان ظلت القوات المسلحة قرابة عامين غير مهاجمة. وبدات السلطة الحاكمة اكبر حملة عسكرية فى 15 نوفمبر التى من المؤكد فى النهاية تقود الى طاولة المفاوضات, وتنعكس نتائجها الميدانية على الحل السياسى االمرجو.الامرالذى يفرض على جميع الاحزاب السياسية (الحزب القومى باجنحته والحركة الشعبية قطاع الجبال والسلام وحزب العدالة الاصل ومجموعة تليفون كوكو خميس جلاب وعبدالباقى قرفه)ان يتوحدوا ويتفقواعلى رؤية موحدة للحل دون اقصاء لاى فصيل, وبمشاركة الاحزاب السياسية الوطنية, لان قضية جبال النوبه هى قضية جنوب كردفان, وقضية السودان كله. وليس لها حل الا فى الاطار الوطنى الجامع. ومالم تبعد القضية عن المحاصصة بين المؤتمر الوطنى, الذى يعمل على التقسيم وتجزئة الحلول, والحركة الشعبية التى تعمل على الضم والالحاق بدولة الجنوب. لن يكون هناك حل عادل ومنصف, وعلى الجميع قبل ذلك اعادة تقييم تجربة الالتحاق بالعمل المسلح فى الجنوب. والحصيلة النهائية التى جناها النوبه من تحول قضيتهم الى مجرد ورقة ضمن اوراق السياسة الخارجية للحركة الشعبية, بعد ان تحولت الى حزب حاكم فحتى الماركسية فى اقوى مراحلها ,لم تسطع ان تقدم للاحزاب الشيوعية فى افريقيا اكثر من الدعم العسكرى فى حالة الانقلابات العسكرية .فكيف بعد التجربة الذاتية لكومولو والكثير من التجارب الانسانية ,يمكن الرهان على حركة انتقلت قرابة القرنين الى المحور الامريكى الاوربى الكنسى, والان بعد ان وصلت الى السلطة لن تستجيب الا لمصالح الدولة, وليس الثورة . وتحكم الصراعات القبلية الداخلية مواقفها, ولن يكون النوبه الا فزاعة خارجية للشمال, وداخلية لسيطرة قبيلة الدينكا .
المحطة المهمة التى يجب التوقف فيها ان غياب الارادة المستقلة ,والقيادة المعبرة حقيقاً عن مصالح الاكثرية, والمترجمة للواقع الاجتماعى ,والتكوين الثقافى المحدد لدى المجتمعات التى تشكل فيها الرابطة القبلية العصب الاساسى .غياب ذلك لايفضى الى حل ناجح لمشاكل تلك المجموعات .بل تكون تلك القضايا عرضة للانحراف ,والاستغلال لمصالح الغير .فالتغييب المتعمد لقيادات النوبه فى المواقع القيادية الميدانبة فى ارضهم ومجتمعهم, منذ الالتحاق بالعمل المسلح, هو استهداف للقضية وليس الاشخاص وهوماافضى الى استمرارالحرب ,وبقاء المشكلة, وقيادة النوبه بغير ابناء النوبه ,حتى بعد انفصال الجنوب بواسطة الثالوث الاحمرمن احفاد جورباتشوف (عقار عرمان الحلو), لخدمة مصالح غير النوبه .وبالرجوع الى تاريخ الحركة نفسها فقد اوفد الراحل جون قرنق الحلو الى دارفور للتبشير والانضمام للحركة ,تزكية للانتماء القبلى, والعرقى للحلو, وتاكيدا لمكانة الرابطة العرقية فى هرم ومفاصل الحركة, والجيش الشعبى, ولم يكلف احد قيادات النوبه بذلك. وتاسيسا على ذلك واستشهادا بواقع الجنوب, والنيل الازرق, ودارفور. كيف تكون القيادة فى الجبال لقيادات غير نوبية ,وكيف يسقط النوبه عن انفسهم استلهام وتمثل التراث الكبير للانتفاضات ,والثورات التى فجرها الثواربجبال النوبه .فالنوبه تاريخيا قادة وثوار, وليس من طبائع الاموروحقائق الواقع والتاريخ ان يرموا بقضيتهم فى ايدى قيادات لا تاريخ لها فعليهم اولا تحرير قضيتهم من الغيركمدخل اول لاى حل قادم وان ينظروا الى المشكلة من منظور وطنى مستقل.
Leave a Reply