الكهرباء تحت نيران الحرب أولوية الإنقاذ أم استمرار الانصرافية؟

ي ظل استمرار الحرب العبثية وتغير معطيات الصراع بتحولها إلى حرب جوية عبر المسيّرات، أصبح قطاع الكهرباء أحد أكثر القطاعات تضررًا، ما كشف بوضوح عن هشاشة التعامل الرسمي مع الأزمات الحيوية.
لقد دأبت سلطة الأمر الواقع على التعامل مع الأحداث بتساهل وانصرافية، معوّلةً على كسب الوقت بدل السعي الجاد إلى حلول جذرية. ومن خلال سياسة التماهي مع الواقع، التي فرضتها مصالح ضيقة لبعض المنتفعين، استمرت الحرب وتعمّقت مآسيها في زمن انقلبت فيه موازين السيطرة الجغرافية، وتحولت طبيعة المعارك من السيطرة البرية إلى الضربات الجوية الذكية، عبر مسيّرات تضرب، وتراوغ، وتُصوِّر، ثم تعود إلى قواعدها دون مقاومة تُذكر.
في ظل هذا العجز التام للقوات المسلحة عن صد الهجمات الجوية، كان قطاع الكهرباء أول الضحايا. اتضح بما لا يدع مجالًا للشك أن الكهرباء ليست مجرد خدمة يومية، بل شريان أساسي لدعم مقومات الحياة الحرة الكريمة، خاصة في الولايات التي أصبحت سندًا استراتيجيًا للأمن الغذائي، مثل نهر النيل والشمالية، والتي تحوّلت باضطرار الواقع إلى بديل لمشروع الجزيرة المنهار في إنتاج القمح والمحاصيل الزيتية. وبالتالي، فإن سلطة الأمر الواقع مطالبة بإعادة ترتيب أولويات توزيع الكهرباء بشكل يتناسب مع الضرورات الاستراتيجية، لصالح الولايات التي تحمل عبء تأمين الغذاء والحد الأدنى من الاستقرار الاقتصادي.
أمام هذا الواقع، يفرض المنطق خيارين لا ثالث لهما:
إما إعادة النظر العاجلة في إدارة موارد الطاقة والتوزيع لتدعيم نقاط الصمود.
أو التوجه نحو التفاوض الجاد لإنهاء نزيف الحرب المفتوحة، لا سيما بعد أن أصبح الدعم السريع يفرض هيمنته عبر الأجواء، محققًا ضربات متزامنة في أكثر من ولاية كما حدث في وادي سيدنا، بربر، والنيل الأبيض خلال يوم واحد.
إن كل ما شهدناه ونشهده يؤكد حقيقة صارخة: لا مفر من التفاوض مهما طال أمد المعاناة. فالتشبث بالحلول العسكرية أثبت عجزه، وكما يقول المثل الشعبي بحكمة بليغة: “البدار في الحُمّى سمح.”