اقتصاديات الحروب

بقلم: د. عصام علي حسين

 

تظل العلاقة بين الحروب والاقتصاد علاقة هدامة؛ لطالما تخلف الحروب خسائر مادية وبشرية بسبب سقوط الضحايا والجرحى والإعاقات الجسدية والنفسية الناتجة عن حالات الذعر والخوف والخشية من الموت المتوقع على مستوى الجندي المسلح والمواطن الأعزل على حد سواء. كما تخلف الحروب، ومع تزايد أمدها، حالات الشقاق والنزاع والاختلافات والتشرذم بين المواطنين، وبالتالي يكون المجتمع عرضة للتفتيت والتقسيم.
وتؤثر الحرب على تقديم الخدمات كما ونوعًا، فيكون هنالك نقص حاد في إمداد الغذاء والماء الصالح للشرب والحصول على الطاقة، مما يزيد معدلات الوفاة المتزامنة مع خروج المؤسسات الصحية عن الخدمة، كما تقل حالات الإنجاب بنسبة عالية وتتنامى حالات الفقر والجهل.
وإذا تطرقنا إلى الواقع الاقتصادي بصورة مفصلة، فإن الحروب كثيرًا ما تتسبب في أضرار اقتصادية هائلة، وتسفر نتائجها المباشرة عن تدمير البنية التحتية، فيحدث ضعف في الإنتاج الناتج عن عدم الاستقرار والنزوح وفقدان الأمن والأمان وفقدان الرغبة في العمل تحت وطأة الحرب ومخاطر الخوف وضعف الاستثمار وهروب رؤوس الأموال وتدمير المخزون الرأسمالي، ومن ثم تتراجع قيمة أصول الدولة ويتوقف النشاط السياحي وتنعدم استثماراته المتنوعة، كما تتضاءل معدلات التحويلات المالية، مما يحدث فجوة كبيرة في معدلات النمو وتنهار بذلك البنية الاقتصادية (الإنتاجية والخدمية)، وبالتالي ضعف الناتج المحلي الإجمالي الذي يتسبب في عجز الموازنة العامة للدولة وترتفع معدلات التضخم ويختل الميزان التجاري وميزان المدفوعات.
وأثناء خوض المعارك، تتوجه اهتمامات الدولة نحو توفير الموارد والمستلزمات والأسلحة والعتاد العسكري، بغض النظر عن تكلفته الباهظة، فالغاية تبرر الوسيلة، وتحقيق النصر هو الهدف المنشود، مع التجاهل التام لتأمين الحياة الاقتصادية وما يتمخض عنها من آثار اجتماعية وصحية ونفسية وتعليمية وثقافية، فتنهار المؤسسات وأسواق العمل، وتتردى إنتاجية الشعوب بشكل مضطرد كلما زاد أمد الحرب، وبالتالي تتفاقم معدلات الفقر والبطالة بشكل كبير، قد يؤدي إلى ظواهر سلوكية مقيتة منها تزايد معدلات السرقة والاغتصاب والقتل والاعتداءات غير المبررة والخروج عن النظام العام؛ لتعم الفوضى في صورتها الهدامة.
وبعد انتهاء مجرياتها وأحداثها الدامية، تقع الدولة تحت وطأة خمول النمو مقابل ارتفاع معدلات التضخم، وهذه نتيجة حتمية لارتفاع أسعار السلع الرئيسة، مقابل انخفاض قيمة العملة، بما يؤدي إلى تآكل الدخول وضعف الإقبال على الطلب والشراء.
إذا لا مناص من مناخ يتسم بالسلام طويل الأمد لتتوقف شلالات الدماء ويشعر المواطن بالأمن ويحرك عجلة الإنتاج ليتعافى الاقتصاد شيئًا فشيئًا.