بَخِيْتُ والمَرفَعِين

عادل سيد أحمد

اتفق عددٌ من الخدم، المملوكين لسيدٍهم قاسي الطبع والطباع، واتفقوا على أن يهربوا، ليلاً، من مُلكه… وأن يفرُّوا إلى أي مكانٍ!
وما أن جُنَّ الليلُ وأظلم، حتَّى انطلقوا، راجلين، إلى خارج البلدة…
وداهمهُم المطرُ، وأرعبهم هديرُ الرَّعودِ وآذاهُم أعينهم شلعان .البروق…
وبينما هُم سائرين، تحتَ وابلٍ المطر، إذا بهم يروا حمارًا كان يرفس الأرض برجليه، كأنه كان يريد أن يلفت نظرهم إليه.
وكان ذلك الحمار (مَرفَعِينًا) في حقيقته، تحوَّل إلى حمار حتى يقترب منه بخيتٌ وصاحبُهُ فيسهل عليه اصطيادهم، لأنه كان قد اطلع، دون أن يدريا بأمره على خطتهما للهرب…
وقال بخيت لصاحبه:
– يا ســلام… ده حمار محمد سيدي، يلاكا نركبُو!
وطاوعه رفيقه في رُكُوب الحمار، فترادفا فوق ظهره، وانطلقا في مسيرهما وهم يمتطونه مبتعدين عن القرية، يكسوهما الإحساسُ بالحريّة والانعتاق…
وشَلَعتِ البروقُ مرَّةً أخرى، ورأى بخيتٌ أذني (المرفعين) على ضوئها، فأصابه الهلعُ وتملَّكه الخوفُ، فقال مُخاطبًا الحمار:
– حاوش … توقف! … فأنا أريد أن أقضي حاجتي هُنا!
وتوقَّف الحمارُ، ونَزلَ بخيتٌ من على ظهره، وجرى نحو شجرةٍ عاليةٍ باسِقَة، تسلَّقها على الفور، وبعد أن اطمأن إلى نجاته وسلامته، صاح من ملاذه الآمن بصاحبه:
– وَكتَ البرِق يشلع، عاين لإضنين الحُمار!
فلما رأى صاحبه أذني المرفعين، على ضوء البروق، أمـر هُوَ الآخر الحمارَ بالتوقف، ولكن المرفعين لم يسمح له بالهرب مثلما فعل مع بخيت، وهجم عليه، أفترسه…
وجلس المرفعين منتظرًا تحت الشجرة، على أمل منه أن يجوع بخيتٌ أو يُرهَق فيضطر إلى النُزُول من قمة الشجرة.
ثُمَّ جاءت مرافعين كثيرة أخرى اصطفت كلها تحت الشجرة لصيد بخيت…
وعندما انتصف النهارُ، كان الجوعُ قد نالَ بخيت وأضعفه وبلغ به العَطشُ والتَّعبْ حدًَّا بعيدًا.
وبينما هو ساهٍ يتأمَلُ في ورطته مُستسلمًا لمصيرِهِ المحتُوم، إذا بطائرٍ صغيرٍ يحطُّ لبرهةٍ فوق الشجرة، ثم يطير مُبتعدًا، وأجنحته تُرَفرِفُ تحت أشعَّةِ الشمس، فقال بخيتٌ يُحادثُ نفسَهُ:
– أيطيرُ هذا العُصفُورُ الصغير بينما أعجزُ أنا عنِ الطَّيران؟ والله! لأطيرن مِثلَهُ…
وحاول بخيتٌ الطيران، من فوق قمَّةِ الشجرة، فوقع وسط المرافعين القابعين تحت الشجرة.
وأكلته المرافعين وهي تعوِي من الفرح، ليلحق برفيقِهِ الذي أُكِل لحمه في ليلةِ الأمسِ المُمْطِرة!

شلعان : لمعان البرق المفاجئ.
حاوش: صوت يقال للحمار ليتوقف.
عاين : أنظر.