
إحسان الله عثمان
ما أن يحل الليل حتى يخرج ” أبو الدرداق” الجعران؛ خنفساء الروث في الخلاء الفسيح لتأمّل “القمرة” وامتاع ناظريه بها.. أحبّ “أبو الدرداق” “القمرة” حبا شديدًا لذا كاشفها برغبته في الزواج منها.. لم ترق الفكرة “للقمرة” فقد كان “أبو الدرداق” شديد القبح وحاولت “القمرة” جاهدًةإخباره برفضها الزواج منه لكنّها خشيت على جرح مشاعره فالقبح ليس مبررًا كافيًا لرفضه.. وبعد طول بحث وتمحيص هداها تفكيرها إلى إخبار “ابو الدرداق” بأنّها إذا تزوجته فستضطر إلى السكن معه على سطح الأرض وهي ليست بالمكان المناسب لتسكن فيه “القمرة” خاصة أنّها أجمل أشكال الفضاء وزينة السماء والكواكب وملهمة العشاق والشعراء فكيف يستقيم الأمر والأرض مليئة بالفضلات والقاذورات..
وحتى يتم الزواج اشترطت “القمرة’ على “ابو الدرداق” تنظيف الأرض كلها من الفضلات والروث.. رضى الأخير بالشرط.
ومنذ ذلك اليوم وحتى هذه اللحظة يبذل الجعران “أبو الدرداق” كامل جهده في تنظيف الأرض من الروث والفضلات…
الأساطير والحكايا.. حاملة قيم الشعوب وتراثها
الحكايا الشعبية والأسطورة في الموروث الثقافي السوداني عبقرية جماعية وذاكرة خصبة نوع من السرد مجهول المصدر وإبداع قصصي يهدف إلى تفسير الظواهر الطبيعية والأحداث والسلوكيات الإنسانية وتتسم بأنّها ذات طابع تعليمي وأخلاقي في قالب أدبي تستخدم فيه تقنية الرمز والتخييل لمعالجة فكرة ما في قالب حكائي ميثولوجي؛ وأدنى صورها تفسير الظواهر الطبيعية كالأمطار والرياح تفسيرًا ميتافيزيقيًا أسطوريًا، أما أسمى صورها فتلك المتعلقة بتفسير السلوك الإنساني وطبيعة النفس البشرية وتجارب المجتمعات، وتعتبر بانها البدايات الأولى لفن الحكايا الشعبية، التي أولدت بدورها فن القصة والرواية.
ويتم تداولها شفاهة بين الأجيال ولا تُشير إلى زمنٍ مُحددٍ بل إلى حقيقة أزليَّة وهي ذات موضوعات شمولية محورها الآلهة والظواهر الكونية والإنسان .. نتاج خيالٍ خصب، يعبر عن تأملات الإنسان القديم وترتبط وتتشابك مع معتقداته وطقوسه وتكتنز مخاوفه وهواجسه وتعبّر عن آماله وتطلعاته.
وينقسم السرد الشعبي إلى 3 أقسام: الحكايات والخرافات والأساطير، وقد يُمَيَّز بينها بطبيعة أبطالها، فشخوص الحكاية الشعبية عاديون في نظر المجتمع؛ لأنهم يعيشون معه؛ سواء كانوا حيوانات أو بشرًا أو شخوصًا مجرَّدة..
وتأتي أهمية الأسطورة والحكاية الشعبية باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الموروث الشعبي وذاكرة للوعي الإنساني واللاوعي عبر الأزمنة التاريخية، حيث تظل السجل الأمثل للفكر البشري في مراحله الابتدائية التكوينية عندما كان يحاول تفسير الوجود وقراءة الواقع الاجتماعي، وتبقى ثقافة أجيال متعاقبة وموروث شعبي قادر على الانتقال عبر الزمان والمكان ومرجعًا ثقافيًّا للنصوص التراثية ذات المعنى الأسطوري المستخدم في فهم الحياة اليومية..
ارتبط “الجعران” بالعديد من الأساطير والمعتقدات في حضارات وادي النيل القديمة منذ أكثر من خمسة آلاف عام استخدم كتميمة ورمزًا مقدسًا لدى الملوك والعامة وتذخر ثقافتنا السودانية بالعديد من الخرافات والأساطير “الميثولوجيا’ الغنيّة بالحكمة والمعالجة والقيم والبطولات والحب والجمال ومرجعًا أساسيًّا يسلط الضوء على حقب طويلة من تاريخ السودان وإنسانه..