
محمد حماد عبدالمنعم
بعض الذين أخذتهم المنافي في جوفها الفسيح فالجوع زهد وتغشف إن لم يكن نزوة وشهوة، والشبع غاية إن لم يكن هدف، والحرية مسؤولية إن لم تكن فوضىٰ. وقد بدأت أحس بالابتعاد الواهي تمامًا ! فالوطن لا يشعرنا بالأمان، وإنما الانتماء له طبيعة وشرف ،، فمدينتي بلا ذاكرة ولا موقع فيها تهيم به فيشدك، ولا معلم بارز بها تطمئن له فيحتويك. ولكنها أبوجبيهة تشعرك بالأمان وتمنحك السكينة، وتتهادىٰ الحياة فيها علىٰ نسق مألوف وسيناريو متكرر ومسرحيات عبثية، ووشوشة بائس تعشق المجاملة…وتدعي الشهامة والأصل! ومنذ أن غادرت أحب وأحن وألطف المدن إلىٰ ،، إلى قلبي…الأُبيض مدينة لها قدرة فائقة في أن تسكنك وتملأك دهشة وعشق وغرام…الأُبيض تشعرك إنك جزء من نهارها وليلها…فإني أحمل الأُبيض بين جوانحي أعشقها كُلها بحدً لا حدود له…وأما الآن قد بدأت أفكر في الانزواء والانكفاء ! ولكن صادقًا أكثر لقد نفدت طاقتي وقدرتي في فهم واستيعاب ما يدور حولنا بينما العالم يشتغل، ويشتعل..فمنذ أن اختل ميزان الحياة في بلادنا لم تكن لدي أي رقعة تُسمى ”بالوطن، وفتاة تُسمىٰ بالحبيبة“ ليشكلان فيّ ذلك الوهج والشغف والاندفاع الصبياني وحماسة الشباب، حتى يكتمل نضوج العقل، ومقاربة كمال العاطفة. أندلعت حرب 15 أبريل 2023م وتصدر مسرحها التافهون والبلهاء من الساسة والعسكر بجميع أطيافهم..ولطالما ذلك الرحم الخصب مازال ينجب العاقين والمارقين من “الروم الجُدد ،، وقوم كسرىٰ” فلا تحلموا يا سادة وسيدات بسودان ”الحرية، والسلام، والعدالة“ فالحرية: مخيفة، والسلام: يصنعة الشُجعان المخلصون، والعدالة: يأتي بها من يؤمن بالتدافع والاختلاف؛ ولذلك قال الله تعالىٰ (قوووووم..) فلو تدافع لا تدافع لا تدافع لا تدافع إلا بالاختلااااااااف..فأصبحت أسأل نفسي في كل ليلة وكل لحظة عن “ماهية” الوطن “وحتمية” الانتماء.
فإلى متىٰ سنثور بفكرةٍ واضحة ونبوح بكلمةٍ صادقة ،، على واقعنا البائس وأحلامنا المؤودة، وأفكارنا المصادرة، مقابل العادات والتقاليد، والانتماءات الأنانية! وإلىٰ متىٰ سننهض من سُبات نومنا العميق الطويل هذا ؟! ومالذي أحنُ إليه ومالذي تحنون إليه“.
#الله_غالب