في ذكرى تأسيس حزب الرسالة الخالدة يظل البعث صامدًا رغم عواصف المؤامرات

في الذكرى الثامنة والسبعين لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي، يبرز سؤال جوهري- ما السر الذي مكَّن البعث من الصمود كصرح نضالي رغم كل محاولات التشويه والتآمر والاجتثاث، بينما تلاشت قوى سياسية وفكرية أخرى من خارطة الصراع؟

الإجابة لا تكمن في عامل واحد، بل في مزيج فريد من الرؤية الثورية والصلابة التنظيمية والسجل النضالي المُعَمَّد بالتضحيات ودماء الشهداء، التي حوَّلت البعث من حزب إلى مشروع جامع للأمة، ارتبط بمصيرها وآلامها وأحلامها، ما جعل البعث حركة نهضوية جمعت بين الأصالة والمعاصرة، تعمل على إعادة تشكيل الواقع العربي، كما عبَّر مؤسسه الراحل أحمد ميشيل عفلق (البعث هو جزء من الأمة خرج من آلامها وحاجاتها وتطلعاتها، ويبقى مرتبطاً بالأمة وتأريخها ومصيرها). هكذا تشكلت فلسفة البعث كإيمان بأصالة الأمة وقدرتها على النهوض والتحرر.

في خضم هذا الصمود، لا يمكن إغفال موجات التآمر المُمنهج التي استهدفت تجربة البعث في العراق، بل استهدفت التنظيم القومي من خلال احتلال العراق، ومحاولات اجتثاث البعث الفاشلة. رغم ذلك، ظلَّ البعث متماسكًا، في العراق وعلى مستوى التنظيم القومي، فالتضحيات التي قدَّمها البعث، لم تكن سوى امتداد لإيمانه بأن المعركة الحقيقية هي معركة الوجود ذاته، وليست مجرد صراع على منصب أو سلطة عابرة.

لا يستطيع البعض أن يفهم سر صمود البعث دون استحضار سجله النضالي الحافل بالتضحيات. فقد قدَّم الحزب آلاف الشهداء والمعتقلين في مواجهة مشاريع الاحتلال والديكتاتوريات في كل ساحات المقاومة من المحيط إلى الخليج، بدءاً من مقاومة الاستعمار التقليدي وصولاً إلى مواجهة الهيمنة الحديثة. لم تكن هذه التضحيات إلا جزءاً من استراتيجية طويلة النفس، أكدت أن النضال قدر محتوم لتحرير الأرض والإنسان. فدماء الشهداء، وعلى رأسهم الأمين العام الشهيد صدام حسين ورفاقه، لم تذهب هدرًا بل كانت وقودًا لاستمرار المسيرة، التي أزهرت قيادات بعثية مناضلة، حملت راية البعث بلا تردد، مؤكدةً أن البعث يظل قلب العروبة النابض، موحدًا فكرًا وروحًا وتنظيمًا، رغم كل محاولات التشويه.

من جهة أخرى، لا بد من الإشارة إلى أن ما عزَّز صمود البعث هو تميُّزه بهيكلية تنظيمية استثنائية، تجمع بين (وحدة الفكر والتنظيم) المحكم الذي حوَّل الحزب إلى جسدٍ واحدٍ منضبط وفاعل، حتى في أحلك الظروف الأمنية. هذا التماسك، رغم الضغوط المتواصلة، عزَّز قدرة الحزب على تجديد دمائه والحفاظ على وحدته الفكرية والتنظيمية، ما جعله قوةً طليعية في المشهد العربي.

لو اختُزل سر صمود البعث في كلمة واحدة، لكانت «الإرادة»:
▪️إرادة صاغتها دماء الشهداء.
▪️ إرادة صقلتها عقود من النضال.
▪️ إرادة حوَّلت التراجع المؤقت إلى دروس، والمؤامرات إلى فرص لاختبار الصمود والعودة إلى خط البداية.

قد تختلف الآراء حول تجارب البعث، لكن ثمة إجماع على أن البعث ظلَّ الشاهد الأمين على حلم الأمة، حاملاً مشعل الثورة من المحيط إلى الخليج، مؤكدًا (بيانًا بالعمل) بأن نهضة الأمة ليست حلمًا مستحيلًا، بل خيارًا تُصنعه الإرادة.