
الأستاذ الباحث جابر خضر الغزي– العراق
تطل علينا الذكرى الثامنة والسبعون لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي , حزب الرسالة الخالدة، الذي نشأ حزبا تاريخيًا منذ البدء، حيث شق طريقًا خاصا غير منغلق وغير منعزل عن الفكر الإنساني، ولم ينشأ ليضيف حزبا سياسيًا إلى بقيت الأحزاب التي سبقته بالنشأة التأسيسية، ولا حتى ليضيف حزبا اشتراكيًا إلى بقيت الأحزاب الاشتراكية، التي كانت لها نظريات جاهزة تدعي أنها تمتلك الحقيقة في تفسير الكون والمجتمع والحياة، إلا أن البعث تجاوز تلك الأفكار من خلال فكره والمعاناة النضالية، حيث ناصبه العداء بعض الأحزاب في الساحة العربية، ويسخرون منه ويقولون دع هؤولاء الصبيان يلعبون، إلا أن البعث لايبالي من خصومه الاأيديولوجيين الحاقدين عليه منذ البداية، فلن تثنيه عقبة لأن الله والتاريخ والطبيعة معه فقال مؤسسه رحمه الله :_ ” نحن في دور الممهدين فمهمتنا شق الطريق للجيل الجديد لاتعبيده، ورفع الأشواك لازرع الرياحين، غرس البذور الخالدة لاقطف الثمار اليانعة ” . أما الأحزاب التي ظهرت معه أو بعده أو قبله البعض منها اختفى وأصبح شيئاً من التاريخ لأنهم تخلوا من اللحظة الأولى عن قضايا الوطن والشعب والأمة بسبب تبعيتهم، إلا أن البعث ولد من معاناة العروبة المؤمنة وكان ينظر للأزمات والأخطار والتحديات ما هي إلا تزيده إيمانا واستمساكا بمبادئ الأمة العربية الأصيلة، فكانت فلسفته هي ” ثقة الأمة العربية بنفسها واعتمادها على قواها ” . هذا هو سر بقاءه قويًا ثابتًا لأن فكره قوة تاريخية لاتقدر بثمن ” ولدت من نظرة فكرية ممتزجة بمعاناة وجدانية، أرادت أن تجمع شيئين أساسيين هما الإيمان والعقلانية ” .
كما أكد الرفيق عزة إبراهيم الأمين العام للحزب رحمه الله بمناسبة تأسيس الحزب قائلا : ” انظروا إلى مصير الحزب الشيوعي صاحب الباع الطويل في نضال شعبنا وأمتنا على امتداد أكثر من سبعين عام ولكن تهاوى وانحدر وتدحرج إلى أسفل السافلين من الخيانة والعمالة، لقد خان نفسه وتاريخه وتراثه ثم خان الشعب والوطن، ثم انظروا إلى حال حركة الإخوان بالعراق أولا وفي بعض أقطار الأمة كيف تهاوت وتدحرجت .. أملنا كبير أن تتراجع هاتيين الحركتيين عن الانحرافات والارتدادات لأننا واثقون بأن هناك رجال مناضلون صادقون ومؤمنون قادرون على تصحيح تلك الانحدارات والعودة إلى خط البداية ” .لمواجهة القوى الاستعمارية والامبريالية، كما نحن نقول : أنظروا بتمعن إلى الخارطة العربية في أحزابها الأخرى، ستجدون الوتد الأخير فظل البعث بعث الشهداء والمعتقلين والأسرى والمشردين في ديار الغربة، وما زال ينبض بالحياة من نواكشوط إلى بغداد ومن لبنان العروبة حتى حضرموت .
فإنه وطن للحلم قبل أن يكون للحكم ودار للنضال قبل أن يكون للسلطة، وعرين للشهداء قبل أن يكون للغرباء، ونهر للعطاء والفداء والتضحية لا للكسب والنفوذ والامتيازات كما عبر الأستاذ العربي الكبير فهد الريماوي .
وخلاصة ما تقدم : فلا يحق لأي واحد منا أن يجتهد في تغيير أو تبديل ذرة من ذرات ثوابته المبدئية الأساسية كما ذهب المعهد العالمي للتجديد العربي، وغيره، بمسميات ولافتات عدة، ولو لم يكن البعث هكذا لذهب منذ زمن بعيد كما ذهبت الأحزاب التقليدية اللاتاريخية إلى اليمين أو الشمال أو تلاشت كما نرى اليوم .هذا هو سر بقاء البعث صامدًا وقويًا وثابتًا على مبادئه رغم كل ما تعرض من ويلات وتشويه وشيطنة واجتثاث بكل ما تعنيه الكلمة من خبث الصهيونية والصفوية الشعوبية والامبرايالية .
6 أبريل / نيسان 2025