فن الحرب حين تصبح الموسيقى وقودا للاقتتال بدلا من السلام

أمجد أحمد السيد
في تاريخ الشعوب كان الفن مرآة للواقع، إما معبرا عن هموم الناس وأحلامهم أو أداة للتلاعب بالمشاعر وصناعة الوهم، وفي السودان اليوم نشهد تحولا خطيرا لبعض الفنانين والفنانات وحتى الفرق الموسيقية إلى أدوات دعاية تحرض على الحرب وتدفع الشباب نحو ساحات القتال تحت غطاء الوطنية والدفاع عن الكرامة.
لم يكن استخدام الفنون كأداة للتعبئة الحربية أمرًا جديدًا على السودان فقد شهدنا في العهد البائد كيف استُخدمت الأناشيد الحماسية والدينية لتحفيز الشباب على القتال في حروب الجنوب ودارفور وتزيين الموت بشعارات زائفة مثل عرس الشهيد والموت في سبيل الله بينما كان أبناء الطبقة الحاكمة ينعمون بالرفاهية، اليوم يعيد بعض الفنانين إنتاج ذات الخطاب ولكن بصيغة أخرى مستخدمين مصطلحات مثل ح-رب الكرامة في محاولة لتبرير الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد. يُغنى للحرب وكأنها بطولة ويُجمع الدعم المالي واللوجستي لاستمرارها بينما يعاني الملايين من النزوح والجوع والخراب
إن الحرب التي يدعون إليها لم تحمِ كرامة أحد بل سحقت المدن وأجبرت الملايين على الفرار من منازلهم وشردت الأسر وأحرقت الأسواق وانتهكت حقوق الأبرياء فهل تُبنى الكرامة على جثث الأطفال؟ وهل يستعيد الوطن مجده بالمزيد من الدماء؟ الحقيقة الواضحة أن هذه الحرب لا تخدم سوى القادة المتصارعين الذين يحاولون إطالة أمدها لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية بينما يتحمل الشعب وحده أعبائها، وعندما ينخرط الفن في هذا المخطط فإنه يصبح جزءًا من ماكينة الدمار، بدلًا من أن يكون صوتا للحقيقة والسلام،
الفن في جوهره رسالة إنسانية ومن المفترض أن يكون صوتا للسلام يعبر عن معاناة الناس ويدعو لإنهاء العنف في تاريخ السودان لطالما لعب الفن دورا كبيرًا في تشكيل الوعي الجمعي من أغاني الحماسة التي دعمت الثورات إلى الأغنيات التي خلدت النضال ضد الديكتاتورية لكن عندما يتحول الفن إلى أداة للتحريض فإنه يفقد روحه ويتحول إلى وسيلة لتبرير الق-تل والدمار من واجب الفنانين أن يقفوا إلى جانب الشعب أن يغنوا للسلام للعدالة للمصالحة لا أن يكونوا أبواقا للحرب
اليوم السودان في أمس الحاجة إلى أصوات تواسي، تداوي، تبعث الأمل بدلا من أصوات تهتف للموت على الفنانين أن يدركوا مسؤوليتهم الأخلاقية وألا يكونوا أداة في يد دعاة الح-رب، بل شركاء في بناء مستقبل يسوده السلام
فالتاريخ لن يرحم من غنّى للحرب ولن ينسى من رفع صوته من أجل السلام لا من أجل السلاح.