قُرُوش الحِلاقَة

عادل سيدأحمد
كنتُ مع أطفالي، في جولة السوق المُعتادة، التي كانُوا يهزجُون ويطربُون لها، وكان ختامُها كالعادة: زيارةَ صالونِ الحلاقة، وذهبنا إلى الحلَّاق، وعندما شرع في تشذيب شعر أبنائي، لمحتُ، فجأةً، من خلف الزجاج طفلاً مُشرَّداً، يتلصصُ على المحل، يبدُو أن الفُضُول كان هُوَ دافعُهُ الأوحد لمعرفة ما يجري داخل الصالون، كما يبدو أنه، لم: تتح له زيارةُ حلّاقٍ من قبل…
وخرجت إليه، وعدتُ به إلى حيثُ أجلس… وأقعدته بجواري، وسط دهشة الحلاقين والزبائن، معاً…
وفي الخفاء: أحصيت نقودي، ووجدت أنها تقل قليلاً عن سعر الحلاقة لثلاثة أشخاص، ولكنيّ تجرأتُ، مع ذلك، وطلبت من الحلاق أن يواصل عمله، ويحلق للطفل الأشعث…
ومن زاوية مُريحة كشفَت معالم وجهه الغض، الذي كسته البهجة ووعمَّه السرور، تابعت انفعالات الطفل الصغير، سعيداً بما ألهمني الله من فكرة لإسعادِ هذا الصبي البائس.
وعندما انتهت الحلاقة، كان شكله قد تغير لدرجة كبيرة، وبأن عليه أثر الأناقة التي كانت على بعد سنين ضؤئية عنه، أكثر من أولادي حتّى… وابتسم في وجهي ابتسامة ملائكيّة، ولكنه لم يشكرني وإنما شكر الحلاق، وأخجل شكره هذا، أخجل الحلاق ذات نفسه، فرفض أن يستلم منيّ: و لا قرش أحمر!… على حسب تعبيره، لا من أتعاب الطفل، الذي صار حليقاً الآن، ولا من حساب أولادي.
وكان المبلغ الذي تم توفيره لدي كافيّا لشراء قطعة بيتزا قسمتها إلى ثلاثة شرائح، كان نصيب كلٍ من الثلاثة قطعة واحدة…
وكانوا يضحكون بسعادة غامرة، وانتقلت إلى موجة من الضحك المُعافَى، كانت غاليةً عليَّ بحقٍّ وحقيقة، بحيثُ يُغطي ثمنُها: الحلاقةَ لمائة مُشرَّد…أو يزيد!