
بقلم محمد عثمان أبوشوك
تداولت مواقع التواصل الاجتماعي قبل أسابيع عدة مقاطع فيديو لبعض قادة انقلاب 25 أكتوبر 2021 و هم يرددون ألفاظا وعبارات سوقية مبتذلة يجري تداولها عادة في مجالس و( قعدات) السكر في أوساط معينه، و ذلك في إطار إظهار شعبية هؤلاء القادة وقربهم من الجنود وعامة الشعب السوداني ..وارتبطت هذه الظاهرة بشيوع استخدام مثل هذه العبارات المبتذلة لدى قطاعات واسعة من مؤيدي الانقلاب العسكري ومؤيدي الحرب العبثية والمطالبين باستمرارها حتى تحقيق النصر واستئصال الطرف الآخر من أطراف الحرب وذلك كأداة من أدوات الانتقاص من شرف وكرامة الطرف الآخر وترسيخ صورة معينة في أذهان جماهير الشعب تصور الطرف الآخر كطرف غريب ومنبت ولاعلاقة له بالشعب السوداني أو السودان ..و لربما ظن الفرحون المحتفون بمثل هذا الأمر، أن استخدام مثل هذه العبارات إنما يقع في إطار الحرب النفسية والإعلامية ضد عدوهم، فاستمرأوا استخدام هذه العبارات السوقية واعتبروها نوعا من الرجولة والجرأة، غير أن واقع الحال يكشف عن أن استخدام مثل هذه العبارات المبتذلة إنما هو في حقيقته تعبير عن انحدار أخلاقي وقيمي ومفارقة واضحة لقيم وأخلاق الشعب السوداني وقواته المسلحة ولكل المواصفات القيمية والسلوكية التي حرصت قيادة قوات الشعب المسلحة على غرسها ورعايتها في نفوس منتسبي هذه القوات ضباطا وضباط صف وجنود ..
ليس الغرض من هذا المقال نصب محكمة أخلاقية تتناول السلوك الشخصي لبعض قادة الانقلاب الذين نصبوا أنفسهم قادة لقوات الشعب المسلحة، فسلوكهم الشخصي في نهاية الأمر يخصهم ويخص أسرهم، ولكن الغرض من المقال هو محاولة استقصاء أسباب هذه الظاهرة التي يستهجنها كل ذي عقل وكل من يحترم قوات الشعب المسلحة، إضافة إلى الإشارة للآثار السالبة لمثل هذا السلوك المدان الذي يسلكه أفراد يحتلون أعلى المواقع (استحقاقا أو تغولا) في سلم قيادة قوات الشعب المسلحة..
ولكي نستبين فداحة هذه السلوك ونتتبع بدايات نشأته، نستذكر هنا مواقف حفل بها تاريخ قوات الشعب المسلحة وشكلت وماتزال مؤشرات شديدة السطوع في رمزيتها جعلتها محطات لا يمكن تجاوزها في المخزون القيمي والسلوكي للشعب السوداني وقواته المسلحة..
في ذاكرة الشعب السوداني البعيدة موقف القائد أبو كدوك قائد القوة السودانية التي كلفتها الجامعة العربية بالفصل بين القوات العراقية والكويتية سنة 1960..يذكر التاريخ مقولة هذا القائد العسكري السوداني الشهيرة : (أرضا ظرف ) آمرا جنوده بإلقاء ظروف الدنانير الكويتية التي وزعها عليهم أمير الكويت اعترافا بفضلهم ، ومن ثم أمرهم بالصعود إلى الطائرات للعودة إلى السودان بعد أدائهم مهمة عسكرية أمرتهم بها قيادتهم السياسية ..القائد أبوكدوك اعتبر دنانير أمير الكويت أمرا يقدح في شرفهم العسكري ويمكن أن يفهم باعتباره أجرا يتقاضاه المرتزقة ..
وفي ذاكرة الشعب السوداني وقواته المسلحة موقف الشهيد الفريق خالد الزين قائد محاولة رمضان 1990 لاستعادة النظام البرلماني حين استدعى قائد فصيل الإعدام أحد الضباط للتقدم للدروة لإعدامه، فأمره الشهيد خالد الزين قائلا: ثابت.. نحنا الموت عندنا بالرتب، وتقدم هو للإعدام أولا.. الشهيد الخالد خالد الزين كان يعبر عن سلوك قيمي وأخلاقي راسخ في وعميق في المنظومة الأخلاقية والقيمية لقوات الشعب المسلحة وهي أن القائد والضابط العظيم يظل دائما الرمز لكل ما تمثله قوات الشعب المسلحة وهو أول من يضحي وآخر من يستفيد دفاعا عن قيم الشعب وقواته المسلحة.. وبنفس هذه الجسارة والشجاعة خاطب العميد طيار محمد عثمان حامد كرار قائلا (أنتم دمي وعار في جبين القوات المسلحة، ولابد للقوات المسلحة أن تعود لطبيعتها السمحة كمؤسسة تحمي ولا تبدد، تصون ولا تهدد، تشد أزر الشعب وترد كيد عدوه.) في توصيف دقيق للدور المهني والوطني لقوات الشعب المسلحة..
إن المقارن بين سلوك قيادة قوات الشعب المسلحة الحالية (استحقاقا أو تغولا) وبيان الضباط العظام الذين قادوا محاولة رمضان 1990 لاستعادة النظام البرلماني الديموقراطي، الذين وصفهم على عثمان محمد طه في وقت لاحق بأنهم كانوا خيرة ضباط قوات الشعب المسلحة، يكشف بوضوح اللحظة الفاصلة التي بدأ منها الانحدار الأخلاقي لبعض من تولوا قيادة هذه القوات، التي قادتهم إلى التخلي عن كل قيم الشعب وقواته المسلحة والارتماء في أحضان تنظيم سياسي فاشي تحقيقا لأغراضهم الشخصية ومنافعهم الدنيوية الزائلة..
تقبل المولى العزيز القادر شهداء حركة رمضان 1990 وشهداء قوات الشعب المسلحة في عالي الجنان ووفق الله رفاقهم في استعادة القوات المسلحة لدورها أمينة على أرواح الشعب وسيادة البلاد وقيم الحرية والعدل والسلام.