
“يا عيدُ عُذراً، فأهل الحي قد رحلوا!
واستوطن الأرض أغراب وأشباحُ
يا عيدُ ماتت أزاهرُ الرُّبى كمداً
وأوصَد البابَ ما للبابِ مفتاحُ”_
(نزار قباني)
يطلّ عيد الفطر هذا العام على بلادنا مُثقلاً بالوجع، حاملاً ذكريات أعيادٍ مضت زاهيةً بالفرح الجميل فى ربوع سوداننا الحبيب.
ولأن دوام الحال من المحال، دارت الأيام وتبدلت الأحوال، والحمد لله على كل حال.
ولكن، ما أقسى العيد في غياب الأهل والرفاق ، حين تتحول التهاني إلى همسات تُخنقها العَبَرات!
فالواقع أن العيد يمر هذا العام على بلادٍ منهوكة وشعبٍ مشرد ومحاصر في مدن تختنق بنيران الغدر، والمنازل تتناثر مع ما تبقى من ذكريات بين ركام الوجع، تئنُّ لغياب أهليها. وفي المنافي البعيدة، تعلّقت الأرواح على خيوط الإنتظار، تتشارك لغة الفقد وحكايات المأساة.
كيف للعيد أن يُشرق والقلوبُ تُعانق غياب مَن كانوا يلوِّنون فرحته؟!
لقد حولت المأساةُ العيدَ من مناسبةٍ تُنتظر بالأشواق إلى جرحٍ نستعيد عبره أوجاعاً لا تحتمل، صورٌ لأحبّة ابتلعهم الغياب، ودموعٌ على أرواحٍ ودعت الدنيا من القهر، وآهاتٌ على مَن خطفتهم رصاصاتُ الحرب والغدر.
وكما قال الشاعر مُعبراً عن لوعة المشهد ..
“هذا هو العيدُ أين الأهل والفرحُ؟
ضاقت به النفس أم أودت به القُرحُ؟
أين أحبابنا ضاعت ملامحهم؟
>مَن في البلاد بقي منهم، ومَن نزحوا؟”_
رغم ذلك، سننتزع الفرح من بين أنياب المعاناة أينما كُنا، فى معسكرات النزوح، أو تحت سماء الغربة القسرية فى بلاد الله الواسعة، أو بين جدران البيوت التى صمدت رغم القصف.
سنصلي صلاة العيد بإيمانٍ أقوى، ونوزع الحلوى على أطفالٍ ما زال البريق يداعب عيونهم رغم الدموع. سنُعلم أنفسنا وسيتعلّم الظالمون أن التمسك بالحياة في زمن الموت مقاومةٌ، وأن الاحتفاء بالفرح رغم الألم ثورةٌ. وأن الحرب لن تكون قدرنا الأبدي، وأن الليل مهما طال لابد أن ينجلي فجراً يضئ شمعة الأمل في مسيرة السلام والعودة ولو بعد حين .
علينا أن نمدّ أيادينا بالخير، وأن نعانق بعضنا بقوةٍ في مواجهة الظلم. كل واحدٍ منا عليه أن يزرع الأمل في قلوب مَن حوله، فبالعمل معاً سنحول هذا العيد الحزين إلى بدايةٍ لصباحٍ يلوح في الأفق.
كل عامٍ ونحنُ أقوى من الألم، تامّين وسالمين، وفي وطننا إن شاء الله مُجتمعين.