
ضجَّت وسائل التواصل الاجتماعي أمس الاثنين 24 مارس الجاري، بحالة من الغضب بعد نشر صور ومقاطع أظهرت حجم الكارثة داخل متحف التاريخ وظهرت القاعات خاوية، والتماثيل محطمة، وماضٍ سحقته آلة الحرب بلا هوادة.
وأصبح السودان يواجه كارثة ثقافية مروعة تمثّلت في نهب وتدمير المتحف القومي بالخرطوم، أحد أبرز معالم التراث السوداني، والذي كان يضم بين جنباته إرثًا حضاريًا يمتد لآلاف السنين.
يمثل هذا الاعتداء على المتحف القومي ضربة موجعة للهوية الثقافية السودانية، إذ يعد واحدا من أهم المراكز التي تحفظ ذاكرة الأمة وتوثّق تاريخها العريق.
وفي ظل هذا الدمار الشامل، تظل التساؤلات قائمة: كيف يمكن استعادة هذه الكنوز؟ وهل ستتمكن السلطات المعنية من ملاحقة المسؤولين عن هذه الجريمة؟
وجّهت أصابع الاتهام لقوات الدعم السريع التي تسيطر على المتحف منذ اندلاع الحرب قبل عامين.
ووصف البعض ما حدث بأنها “مذبحة للتاريخ”، في وقت كان فيه المتحف يُعدّ من أبرز خزائن التراث السوداني، محتضنا قطعا أثرية تعود إلى عصور مختلفة، بدءاً من العصر الحجري، مروراً بحضارات كرمة ونبتا ومروي، وصولاً إلى الفترات المسيحية والإسلامية. أصبح اليوم عبارة عن خزنه فارغة نهبت محتوياتها من أموال ومقتنيات ثمينة.
وفي خضم هذه المأساة المرعبة، أطلق ناشطون ومهتمون بالآثار وسم #أنقذوا_آثار_السودان في محاولة للفت أنظار العالم إلى الكارثة الأثرية غير المسبوقة التي يشهدها السودان، وللضغط من أجل اتخاذ خطوات فاعلة لحماية ما تبقى من إرثه الثقافي.
الذين دخلوا المتحف يصفوا أن المعتدين لم يكتفوا بسرقة الكنوز الأثرية، بل استولوا على الذهب المحفوظ بعد تحطيم أقفاله. وفي مشهد يعكس نية واضحة للتدمير الممنهج، عمدوا إلى إلقاء ما تبقى من القطع الأثرية على الأرض وسحقها بأقدامهم، وكأن الهدف لم يكن مجرد السرقة بل طمس الهوية ومحو التاريخ.
على ضفاف النيل الأزرق، وتحديدا في شارع النيل بمحاذاة قاعة الصداقة، كان يقف متحف السودان القومي شامخًا منذ افتتاحه عام 1971، حاملاً بين جدرانه أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، تحكي فصولا ممتدة من تاريخ البلاد، من عصور ما قبل التاريخ إلى الحقبة الإسلامية.
وتعود جذور المتحف إلى عام 1904، حين جرى تأسيسه في كلية الآداب بجامعة الخرطوم، قبل أن يُنقل لاحقًا إلى مقره الحالي، حيث تحوّل إلى إحدى أبرز الوجهات الثقافية في السودان، لاسيما مع احتضانه مقتنيات نادرة من حضارات كوش والنوبة، إلى جانب معابد فرعونية ولوحات جدارية مسيحية.