
كانوا رجالا بحجم الوعد
بقدر العهد والوفاء
كان حلمهم الوطني بناء دولة مدنية ديمقراطية تتجاوز خيبات الماضي ومهددات الحاضر في تلك الفترة من أواخر الثمانينيات وتجربة الحكم الديمقراطي تترنح تحت ضربات الجبهة الإسلامية القومية التي كانت لسان حال التيار الإسلامي، كانت مذكرة الجيش في فبراير 1988 مؤشر واضح لما يحاك لحكومة الصادق المهدي وهي تفشل في إنجاز أحد أهم شعارات انتفاضة مارس أبريل،
تصفية آثار ومرتكزات مايو التي كان إنجازها هو الضمانة القوية لفتح الطريق أمام التطور الديمقراطي وإلغاء ماعرف بقوانين سبتمبر وكان تردد حكومة الصادق المهدي هو الدافع الأكبر لتنمر التيار الإسلاموي في تلك الفترة لدرجة أن مجلة الدستور اللندنية أوردت خبرا مفاده أن الجبهة الإسلامية تعد لانقلاب بقيادة العقيد عمر حسن أحمد البشير لكن وسط الصراعات الحزبية لم تكن ثمة حياة لمن تنادي ….
فحلت كارثة انقلاب التيار الإسلامي في30 يونيو 1989..
كانت هناك عيونا لا تنام تراقب المشهد وأرسلت إشارات متعددة على ضرورة إصلاح الحال المائل وقبلها كانت لهم مواقفهم من تقدم المشير سوار الذهب لقيادة الفترة الانتقالية ولهم أصوات احتجاج ضد حال التردي الذي وصلت إليه المؤسسة العسكرية ….
في أبريل 1990 تقدم بعض شرفاء القوات المسلحه بمحاولة التصدي للانقلاب المشؤوم وإعادة الحكم لمسار طريق التطور الديمقراطي وبالفعل استطاع هؤلاء الضباط وضباط الصف والجنود من شرفاء الجيش ببسط سيطرتهم على أغلب الوحدات العسكرية ولكن لظروف فنية فشلت الحركة التي حققت أكبر إنجاز بكشفها لطبيعة الانقلاب الدموي التسلطي حين قام قادة الحكم الانقلابين بعملية إعدام يندى لها جبين الإنسانية خجلا
بق-تل ودفن الرجال الشجعان الذين تصدوا لرصاص الانقلابين بثبات بدفنهم أحياء وكان الضباط وضباط الصف الذين يعتبروا من أميز العسكريين قدموا دروسا فى الشجاعة والثبات فاقت الأساطير الفريق خالد الزين واللواء ركن عثمان بلول الذي أحضر من السجن لينفذ فيه حكم الإعدام والعميد محمد عثمان حامد كرار واللواء الكدرو والعقيد البطل محمد أحمد قاسم والعقيد ركن صلاح السيد والعقيد عصمت ميرغني طه والضباط أبوديك وأكرم ومدثر وأسامة الزين وقائمة مرصعة بأسماء أشجع الرجال الذين تعاهدوا على التغيير الأبيض بلا قطرة دم واحده أمام دموييين قتلة مجرمين …
وكيف أصبح العيد السوداني وما تلاه من أعياد مكحلة فيها عيون البلاد والعباد بالدم والموت بلا محاكمات تم إعدام ودفن أكثر من ثلاثين ضابط وضابط صف وجندي ودفن بعضهم أحياء في ليلة الثامن والعشرين والناس مستبشرة تعد عدتها للعيد لكن عشاق الدم بقيادة المقبور إبراهيم شمس الدين وآخرين كان عيدهم ذو معاني مختلفة تفوح منه روائح الدم ويغطيه حزن عم البلاد …
تلك جريمة ستظل قائمة حتى القصاص من القتلة الأحياء وكذلك ما أعقبها من جرأئم فض الاعتصام أمام القيادة كذلك فض التظاهرات بالرصاص والحرب العبثية وحجم الدمار والموت الذي مازال يرافقها كلها جرائم تستحق المحاسبة ….
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه هل كانت حركة رمضان انقلاب لاستلام السلطة أم حركة استرداد مسار التحول الديمقراطي ومن خلال تصفح سيرة الضباط المشاركين في الحركة يتبين أنهم الأكثر انحيازًا للحكم المدني وإبعاد المؤسسة العسكرية عن المشاركة السياسية .
وكذلك العهد فيما بينهم أن تكون الحركة بيضاء لاتشوبها قطرة دم وذلك من خلال وعيهم بطبيعة الصراع الوطني والنقطة الأخيرة عدم تشكيل مجلس انقلاب بعد دحر الإسلاميين يدل كذلك على عدم رغبتهم في الحكم.
ومازالت مقابر هؤلاء الشهداء الشرفاء مجهولة المكان وحتى أماناتهم ووصاياهم معلقة في ذمة القتلة المجرمين ….
المجد لشهداء حركة رمضان التصحيحية
والخلود لشهداء كل الانتفاضات الوطنية