وهي تخوض معركة الانتماء للوطن وتثبيت الهوية الفلسطينية ، رمال غزة المتحركة ستبتلع “الشاري”كما ابتلعت الغزاة

 

نبيل الزعبي

آه يا جرحي الكابر وطني ليس حقيبة
وأنا لست مسافر
إنني العاشق …
والأرض حبيبة.
(محمود درويش ،
يوميات جرح فلسطيني).
الانتماء في اللغة يعني الانتساب إلى شيء ما ، أما الوطن بمعناه المحدد بالأرض والشعب والدولة التي تدير الحياة اليومية فيه، فلكي يكون وطناً يستحق الانتماء إليه، بل الموت في سبيل وجوده وبقائه، لا بد من انتمائه بدوره إلى تاريخٍ عميق في قِدَم الحياة وموغلاً في الحضارة الإنسانية التي شعّت قِيَماً خالدة ورسالات نقلت البشرية من حال البدائية والهمجية إلى فضاء احترام الإنسان وإبداعاته وتوفير كل سُبُل العيش الكريم له وإطلاق حريته في تقدم الأمم وازدهارها .
يشكّل وطننا العربي أحد أهم أوطان العالم الذي ضمَّ أمةً أوغلت في إمداد العالم ومنذ العصور السحيقة بشتى المعالم الحضارية عمراناً وعلماً وإنساناً ولم تزل كل تقنية وعلم العالم المتمدن اليوم عاجزةً عن تفسير كيفية بناء الأهرامات في مصر وكيف كان سد مأرب في اليمن إعجازاً هندسياً في حينه نحو حفظ المياه للري والزراعة ودب الحياة في الصحارى القاحلة ومن أية كتبٍ استنبط حمورابي قوانينه في العراق ليجعل منها أولى الشرائع التي تنظّم بين الحقوق والواجبات قبل أن تُنَزَّل الرسالات السماوية على البشر فأكرم الخالق أمة العرب ومحيط تواجدها الجغرافي كي تكون الحضن المؤسس لها بحماية مريديها من أبناء هذه الأرض الطيبة الذين امتشقوا المبادئ والقِيَم لنشرها وتعليمها للبشرية وجعلها قواميساً مقدسةً تتمثل بها ومنها تلك الروحانيات المغروسة في وجدان كل عربي من أبناء هذه الأمة القاطنين في مساحة جغرافية الوطن الممتدة من أقصى المغرب حيث نقل العرب حضارتهم إلى أوروبا طيلة خمسة قرونٍ من الزمن إلى الأدنى في مشرقنا عندما شهدت سواحل المتوسط تصدير الأبجدية إلى العالم ولم تزل بصمة العربية كلغة، تتغلغل في مفردات لغات العالم وثقافته التي لا يتنكّر لها سوى حاقد ومكابر .
لا يعني ما تقدّم أن الأمم الأخرى كانت على هامش الحضارة الإنسانية التي تفاعلت معها حضارتنا فأخذت منها وأعطت، فكان عصر المأمون العباسي خير مثالٍ على ذلك في أعمال الترجمة ونقل العلوم وازدهار الفلسفة وغيرها .
كل ما تقدّم تفتقر إليه الولايات المتحدة الأميركية التي تقدِّم نفسها زعيمةً للعالم ويحكمها اليوم رئيسُّ قديمُّ جديد لم يجد في عَظَمَة بلاده سوى أنها قوةً غاشمةً تستطيع أن تتطاول على القِيَم الإنسانية وتمحو الحضارات بشطحة قلم كما فعل رئيسها بالأمس وهو يعلن عزمه على شراء قطاع غزة بأكمله بعد نقل ما فوق المليونين من أبنائه إلى أماكن أخرى من العالم وكأن هؤلاء صناعةً (بلاستيكية) صادرة عن مختبرات الإنسان الآلي الذي تسيّره ب( الروموت كونترول )وتزوده بكل ما يلزم من تعليمات في ذاكرته الاصطناعية كي ينطق بما حَشُوَت فيه تحت مسمى الذكاء الاصطناعي ليس إلا ، متناسياً هذا المخبول أن أبناء غزة زَرْعُّ حيُّ في تربة فلسطين تتحكّم في ذاكرتهم رسالات الأنبياء ومعجزات المسيح ورمزية الأقصى وإسراء محمد ابن عبدالله وتسمية هاشم التي تعتز بها غزة كإحدى محطات الجد الثاني للنبي العربي يوم كان يحط رحاله فيها مع رحلات الشتاء والصيف التي خلّدها الخالق في كتابه الذي ينهل منه اكثر من ملياري مسلم في هذه المعمورة .
هل غاب كل ما تقدّم عن بال الترامب الاميركي أم أنه كان صادقاً مع نفسه كحاكم لدولة لا يتعدى عمرها أصغر فأصغر زيتونة في فلسطين وهو الذي يفتقد معنى الانتماء الحقيقي للوطن فلم يكن يراه بعد هجرة أجداده إلى أميركا سوى أنه ارض يبيع فيها ويشتري فلا يتميّز سوى ب “صفة”السمسار الذي لا ينصح بموجب ضمير وإنما كما تقتضي مصلحة”الجَيْب”وكم سيزداد رصيده البنكي صبيحة كل نهار وبالتالي كان طبيعياً لمن لا يعرف انتماءً لقضيةٍ أو مبادئ وأخلاق أن لا يفهم من حل لمعالجة مأساة أهالي غزة سوى في الاستيلاء على أرضهم وق-تل المزيد منهم متناسياً أن الغزاوي بقدر ما التصق بأرضه، يستحيل عليه الخروج منها ولهذا لا يمكن أن نجد أي تفسيرٍ لظاهرة التشبُّث في هذه الأرض وهي ركام سوى أنها الأجمل لديه من كل ريفييرات العالم وشواطئه اللازوردية .
هذا ما لم يكن ليفهمه أو يقدِّره ذلك الغبي القاطن في البيت الأبيض للمرّة الثانية بعد أن تظهّرت صورته الحقيقية للأميركيين والعالم ما بين الدورتين لدى محاكم بلاده وما صبغ هذه الصورة من انحطاط أخلاقي وأداء عنصري لا يبشر بالخير بعد تمرده على الدستور والقوانين في حادثة الكابيتول عقب انتهاء ولايته الأولى وليس سوى المجهول ينتظر كيف سيمضي ولايته الثانية بعد أن صار يشكلُّ خطراً على نفسه وشعبه وبلاده قبل أن ينال الآخرين .
لو كلّف هذا الغبي ومعه المجرم الصهيوني النتن نفسيهما قليلاً ليتعرفا على غزة وما يحمل ركامها من ذكريات مجبولةُّ بالدم والانتماء لتراجعا وفكرّا كثيراً وليتذكرا ما قال عنها إسحق رابين يوماً : “أتمنى لو استيقظ يوماً وارى غزة قد ابتلعها البحر”، وليتذكّرا أن مشاريع إفراغ غزة من سكانها وقتل شبابها وشيبها وتشريد ما أمكن منهم وآخرها أكثر من 400 شهيداً جديداً و500 جريحاً في الغارات الإسرائيلية على القطاع في يومٍ واحد (المصادر الطبية 2025/3/18)، لم تكن وليدة اليوم وكلها فشلت ودُفْنَت تحت رمالها المتحركة التي ستدفن مشاريع اليمين الصهيوني حتماً لتخرج منتصرّة ترفع شارة النصر طال الزمن أم قَصِر ، ولن يكون مشروع ترامب الأول ولن يكون الأخير وقد فاته أن يفهم من الأطفال اليتامى والنساء الثكالى وذوي الشهداء في غزة ، المعنى الحقيقي للوطن والانتماء إليه .