وضع الثقافة تحت ظل الانقلابات العسكرية والمهام الثقافية للمرحلة الانتقالية “3/3”

كتب: ياسر عوض
#ملف_الهدف_الثقافي
المهام الثقافية للمرحلة الانتقالية
كان للفترة الانتقالية في السودان بعد انتصار الثورة السودانية مهام ثقافية عدة لا تقل أهميتها عن التغيير السياسي وإزالة تمكين النظام السابق :
1- وضع حد لجدل الهُوِيَّة وتمركز السودان الثقافي بين أسئلة الوجود العربي والإفريقي والإسلامي والإنساني. هذه الأسئلة الثقافية تعيق التطور السياسي وربما مستقبلًا تقود إلى انشطارات في الوعي بقضايا المرحلة والموقف المبدئي تجاه قضايا التحرر العربي والإفريقي والإنساني مثل القضية الفلسط-ينية التي تعتبر القضية المركزية للأمة العربية أو الموقف من الاح-تلال في أي بقعة من بقاع العالم
2- تكريس مفهوم الوطن والوطنية في ظل التجاذبات والاستقطاب الإقليمي والمحوري والدولي ضمن خصوصية الوضع الثقافي السوداني – لأن مهددات القومية باسم الوطنية قائمة و مفهوم الوطن مهدد وغائم باختلاف الفلسفة الحاكمة
3- لعب دور إيجابي لتحقيق التوازن الثقافي بين التمايزات الثقافية، والتبشير بالمشاريع الثقافية الجديدة لأن الإهمال في عهد الإنقاذ طال كل الولايات ولم تسلم منه حتى العاصمة القومية.
4- المساعدة في تحقيق السلام ونشر ثقافة المواطنة و الاعتراف بواقع وحق التمايز الثقافي والإثني والتعبير عن ذلك . هذه النقطة وربطها بملف السلام من النقاط الجوهرية في بناء سودان الغد الممكن .. وهي من النقاط المتفق عليها سياسيا وثقافيا مع اختلاف الحكومات والأنظمة المتعاقبة منذ الاستقلال على الرغم من حربائية المفهوم ودلالاته. فهناك من يرى السلام هو الخضوع غير المشروط لسياسة المركز وهناك من يري السلام على أنه تقاسم كيكة السلطة والثروة، ومن يرى السلام مسمار جحا وبوابة الاشتراطات المالية مع الغرب، والثدي الذي لا يستطيع منه فطاما، ومن يرى السلام على أنه نزع السلاح من البعض ليهيمن الباقون على إعادة توزيع الحواكير التاريخية .. وأيضا من يرى السلام هو إعادة التوزيع العادل لموازنة الأرض والتاريخ والاعتراف بالتمايز الثقافي والحضاري لشعوب المنطقة ..
5- العمل على استقرار الواقع الاجتماعي الآمن وإعادة النازحين إلى قراهم .. هذه النقطة لطالما استخدمت كدليل انتخابي انتهازي بدون أن تربط جدليا بهدف التنمية المتوازنة والخدمات الأساسية وبالتالي هي هدف من أهداف الحراك الاجتماعي والثقافي الثوري، وشرط إنساني عصي على الاستخدام كحصان طروادة
6- .لعب الدور الثقافي في الإرشاد والتوعية لتحقيق أهداف الثورة والالتزام و الانحياز لمصلحة المواطن .. هذه النقطة تحتاج لمرونة ومعرفة وحكمة ضرورية كي لا يتحول المثقف لشرطي يهمل مهامه الأساسية لتسجيل مخالفات المرور
7- توضيح وإنفاذ الرؤية الثقافية والأهداف وفق المرحلة الزمنية والتاريخية التي يمر بها شعبنا.. هذا يتطلب أن تكون هناك رؤية ثقافية في المرحلة الأولى، ثم يأتي بعد ذلك العمل علي إنفاذها. ولكن الحركة السياسية السودانية تتعامل مع الثقافة كفائض العمالة وقلما نجد حزباً سياسيًا يعتمد الثقافة ضمن برامجه أو أولوياته أو تنظيرات مؤتمراته أو أدبياته ودائماً يقدم السياسي والتنظيمي على الثقافي. بل أن البعض ينظر للثقافة والمثقفين داخل حزبه كخميرات العكننة ومشاريع انشقاقية قادمة..
8- الدعم والتبشير والتنظير لخلق جبهة وطنية واسعة و عريضة تستوعب كل قوى الثورة في برنامَج حد أدنى يكفل للقوى الحية من جماهير شعبنا التوافق والتوازن لإنجاز برنامَج كل المرحلة وصولا للانتخابات.. ودعم التماسك الثقافي والأيدلوجي للوقوف الثوري في وجه كل قُوَى الردة والانقلابات العسكرية.

تطلبت هذه المهام مثقف حقيقي بمميزات استثنائية:

1- الوصف الحقيقي للمثقف:
شكّل وصف المثقف وتمركزه داخل بنية المجتمع السوداني إشكال منهجي كبير في هذه الفترة – الانتقالية.. بسبب الوضع الاقتصادي المتردي للمثقفين الذي كرسته الإنقاذ فبين المثقف و(المثقفاتي) لعب اللفظ وسخريته دورا كبيرا لأبعاد تأثير اىمثقف وإفقاده دوره الأساسي في التغيير وحل بديلاً عنه رموز إعلامية امتهنت طلوع (اللايفات) في الفيس ووسائط الاتصال أصبحت تسمى مثقفين وتستضاف في الأجهزة الإعلامية على هذا الأساس وكل من أنشأ صفحة في الفيس بوك أصبح يحصي زائريها يمتلك حق تقييم العمل الثقافي.. هذا الإشكال قاد إلى أن يتولى المكاتب الثقافية في وزرات حمدوك هواة، لا يفرقون بين ثقافة التحريض لقيام الثورة وبين العمل الثقافي الحكومي الرصين والفرق الكبير في المحتوى والأدوات والأشكال..

2- الوعي بخصوصية الوضع الثقافي السوداني:
لاتعني الثقافة ممارسة الأشكال الثقافية فقط ولكن الوعي الذي يلازمها، الذي يستطيع التفريق بين المراحل التاريخية ومهامها العضوية في ظل وجود تراكم خبرة يستطيع التفكير وقيادة الفعل الثقافي. فالسودان هو نقطة العبور الكبرى بين الثقافة العربية الإسلامية وبين الثقافات الإفريقية المحلية.
3- كادر نضالي مؤمن بالثقافة يستطيع التنظير للرؤية الثقافية والأهداف وفق المرحلة الزمنية وله القدرة على إحياء سنن المبادرات الفردية المسؤولة في حال غابت المرجعية الثقافية الكلية بفعل الإهمال أو عدم معرفة أهمية الدور الثقافي.
4- القدرة على الخلق والإبداع:
كل الفنون قائمة على المفارقة. والتقليد لا يخلق فناً، على الرغم من التعلم يبدأ بالتقليد ولكن لابد في مرحلة ما في حياة المبدع أن يفارقه وتصبح الأشكال السابقة مجرد متكاءات للمقاربة والمقارنة.. والثقافة في ظل التغيرات الكبيرة التي اجتاحت الميديا لابد لها من فهم أن الوسيلة حسب مكلوهان هي الرسالة (the Meduim is the massage)
وهذا بالضرورة يقود لمحاولة معرفة إمكانات الوسيلة وقدراتها التعبيرية والتغييرية..
طريق التقليد سهل ولكنه لا يبني أوطاناً.. كما أن الإنفعال الشكلي بالآخر لا يحقق نتائج تتسق مع الواقع فالتفكير خارج الصندوق ما تحتاجه المرحلة ولكن لابد في الأول معرفة ما في داخل الصندوق..
…….

المراجع:
* يمكن الرجوع إلى المعاجم العربية وكيف تناولت المفهوم