
#كلمة_الهدف
إنكار نذر المجاعة والموت بسوء التغذية الحاد والأوبئة ازدراء بالشعب والوطن ومطية لإطالة أمد الحرب
لم يعد لأرقام عدد ضحايا الحرب والمجاعة وسوء التغذية وعدم القدرة على تلقي العلاج والرعاية الصحية ولا أرقام النّزوح واللُّجوء، ولا حجم الدمار الذي حاق بمقدرات البلاد وبنيتها التحتية، ولا أرقام مواردها وثرواتها التي نهبت أو هربت أو أهدرت، أي معنىٰ لدى أطراف الحرب ومموليها والمنتفعين من استمرارها، بل لم يعد توصيف الواقع المزري الذي يرزح فيه أكثر من 25 مليون مواطن تحت مستوى سوء التغذية الحاد عالميا، المؤدي للموت وتفشي الأمراض الوبائية، الكوليرا، الملاريا، حمى الضنك، التهاب الكبد الوبائي، السل، التايفويد والأمراض الجلدية والتهاب العيون، التي تفتك بحياة الملايين من المواطنين بينهم نحو 3.4 مليون طفل معرضون لخطر الإصابة، وفق تقارير (أوتشا)، منظمة الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، التي أوضحت أن السودان، بعد مسوحات التغذية الميدانية التي أجرتها فرقها في كافة ولايات البلاد، أصبح من الدول الأربع عالميا في سوء التغذية الحاد وانتشارها. لم يعد يعني كل ذلك شيئاً لدى أطراف الحرب، وإلا ما المغزى الوطني والأخلاقي لرفض وضع حد لها؟
وفيما تقابله سلطة حكومة بورتسودان بالاستخفاف والإنكار، تتمادى قوات الدعم السريع بعدم الاكثراث وزيادة طينه بلة، بالتهجير القسري للسكان من مواقع الإنتاج الزراعي في دارفور والجزيرة والنيل الأزرق، وضياع أكثر من موسم زراعي، علما أن ملايين الضحايا الأبرياء الذين يواجهون كارثة المجاعة والموت في بلاد توصف زراعيا ب(سلة غذاء العالم ) ويحدد ملتقى أعذب نيلين موقع عاصمتها تدفق سريان نهر النيل العظيم .
في مناطق خصبة وغنية بتنوع منتجاتها، كجبال النّوبة، يقتات المواطنون أوراق الأشجار المُرّة ويتساقط بعضهم بالموت، وهم في صفوف طويلة في انتظار ما يجود به الخيرين من ذُرة أو طعام، في مراكز النُّزوح والمعسكرات بلغت المعاناة مداها، كشفت ل “الهدف ” الناشطة الحقوقية عفاف محمد، أمين عام رابطة المساليت، أن آلاف السودانيين الذين هجروا من ديارهم، غرب دار فور، بغير حق، يعيشون أوضاعا مأساوية في معسكرات شرق شاد (أدري، فرشنا، قوز بيضة، حجر حديد، أبو تنقية، علاشة، قتقر، بيرجن…) التي تأوي نحو 600 ألف نازح، مشيرة إلى أن فئات الأرامل واليتامى هم الأكثر معاناة، يعاني عدد كبير منهم من سوء التغذية الناجم من انعدام الغذاء، وأشارت أمين عام الرابطة إلى أن الأوضاع في المعسكرات ازدادت سوءا، منذ شهري أغسطس وسبتمبر الماضيين، جراء خفض برنامج الغذاء العالمي حصة الفرد إلى النصف. وفيما تتناقل أجهزة الإعلام أخبار وصُول كثير من طائرات وسفن الإغاثة والمساعدات القادمة من السعودية ودول الخليج العربية، آخرها من الكويت، من المنظمات الدولية، يلقى الأطفال في الكلاكلة، جنوبي الخرطوم مصرعهم بسبب سوء التغذية، داخل مركز الشهيدين، بالكلاكة القطعية أو قبل وصولهم إليه.
يذكر أن عاملين بالمجال الإنساني حذروا في سبتمبر الماضي من ارتفاع معدلات سوء التغذية، ونبهوا من احتمال وفاة 220 ألف طفل ونحو 7000 حامل في الأشهر القادمة ما لم تصلهم مساعدات عاجلة.
في جنوب أمدرمان، صالحة وحي الجامعة، كما في شرق النيل بالخرطوم بحري أدى سوء التغذية وانعدام الخضر أو عدم القدرة على تناولها إلى انتشار ظاهرة (العمى الليلي).
وفيما تصطرع أطراف الحرب حول الإشراف على منافذ دخول المساعدات، التي تضل طريق الوصول إلى مستحقيها إلى الأسواق وتمويل المجهود الحربي، ومنها ما أفسدها الفساد والتهريب وأصابها التلف، كما أعلن أمس في محلية الدبة عن ضبط (16 شاحنة) بمواد إغاثة مهربة وتالفة.
تتفاقم مأساة اللّاجئين و النّازحين والمشرردين الذين تقطّعت بهم السُّبل وفرض عليهم أن يبقوا لأكثر من 600 يوم، في مراكز الإيواء الإجبارية في المدارس والجامعات والمنازل المهجورة، والأحياء والمدن المحاصرة، التي تنعدم فيها أدنى مقومات الحياة، أو يضايقوا أهليهم وذويهم في منازلهم التي ضاقت عليهم بما رحبت، مع انعدام فرص العمل أو أي خيارات بديلة، في ظل غول الغلاء الفاحش والسوق المنفلت بلاضوابط أو رقابة، إذ يتشارك بعض الموردون مع وزارة المالية، الجمارك والضرائب والمحليات ونقاط التفتيش والمرور على الطرق، وارتكازات الدعم السريع، ووسائل النقل، على فرض الأتاوات على السلع العابرة، لا سيما إلى المدن والبلدات والقرى المحاصرة، مما رفع مستويات أسعار السلع والخدمات إلى مستويات فوق الخيال حسب المكان يتراوح سعر كيلو السكر من 2500 – 9000 جنيه، كيلو العدس من 4500 – 9000 جنيه، كيلو اللحم العجالي 15000- 21000 جنيه أما أسعار الدواء والأدوية المنقذة للحياة فحدث ولا حرج، مع استمرار تدهور سعر صرف الجنيه مقابل العملات، الذي فقد نحو 365% من قيمته الشرائية ما قبل الح.رب، مما أدى إلى التهام قوى السوق لكل ما يرسله العاملين في الخارج إلى أهاليهم خلال بضعة أيام. بعد أن استنفدت أيام الحرب العبثية المدمرة المدخرات.
هذا قيض من فيض، يصور بالأرقام والحقائق الدامغة، مأساة السودانيين، أينما كانوا، الحياتية والمعنوية والإنسانية، القفز من فوقها، بالإنكار أو الاستهانة أو بعدم الاكتراث، كما بالتقليل من شأنها بطنين الشعارات الجوفاء، أقل ما يوصف به ازدراء بالإنسان والوطن وتجرد من النوازع الأخلاقية والوطنية، لإطالة أمد الحرب .
عمقت المٱسي والمعاناة وعي السواد الأعظم من السودانيين، وزادتهم إيمانا، بأن حلول قضايا بلدهم وتحقيق تطلعاتهم والحفاظ على عزتهم وكرامتهم وصيانة وحدة واستقلال بلادهم، لا تتحقق إلا بإرادتهم الحرة المستقلة، بالنضال السلمي الديمقراطي، وتقاليده التي رسخوها على طريق استدامة النظام الديمقراطي التعددي المرتبط بالتنمية والعدالة الاجتماعية. طريقهم إلى ذلك حشد إرادتهم عبر أوسع جبهة للديمقراطية والتغيير، لوقف الحرب، بلا شروط، بالتوازي مع إيصال المساعدات لمستحقيها، وإعادة الإعمار، بسلطة مدنية انتقالية تنجز مهام متوافق عليها، خلال عام، لإحراء انتخابات عامة، يتوافق على قبول نتيجتها وعلى حماية واستدامة النظام الديمقراطي، الوجه الآخر للحفاظ على الوحدة والسيادة وصيانة الاستقلال الوطني .
بعد أن عجزت أطراف الحرب عن تسويق أي مبرر أخلاقي لإشعالها واستمرارها، وقبل ذلك فقدوا التعبير عن الفطرة الإنسانية السليمة والإحساس بالمسؤولية الوطنية وهو ما يهزأ بشعارات الكرامة والديمقراطية التي يرفعونها على أسنة المدافع وخطاب البغضاء والكراهية .
كلمة الهدف
حزب البعث العربي الاشتراكي (الأصل)
2024/10/5