
أجرى اللقاء 2014.. “الهدف” تعيد نشره لأهميته وتوثيقه..
أمين سر حزب البعث العربي الاشتراكي على الريح السنهوري لـ(المجهر): (1)
– نزول كوادرنا إلى الشارع ومخاطبة الناس يتطلب تضحيات مستعدين لتقديمها.
– سوف نعود إلى الكتابة على الجدران إذا صودر هامش الحرية الحالي…
– النظام الذي تستفزه (كلمة) لا يستحق البقاء…
——————————-
يتخذ حزب البعث العربي الاشتراكي موقفا لا يشبهه فيه أحد من الأحزاب السودانية طوال العهود السابقة، فهو ربما يكون الحزب الوحيد الذي يعلن فيه قادته إنهم لا يسعون إلى كراسي السلطة، بالإضافة إلى انتهاجه أدوات صدامية مع الأنظمة التي يعارضها.
فهو من ادخل إلى البلاد أدبيات الكتابة على (الجدران) وإطلاق الأصوات الاحتجاجية عبر مدونات حائطية في كل المدن والأحياء، ورغم النقد الكثيف الذي يوجه له، إلا أن أبرز ما يمكن توصيف البعث به هو أنه تنظيم سياسي لا يتذمر من الرأي الآخر وله القدرة على الحوار في أي وقت.
الأستاذ على الريح السنهوري عضو القيادة القومية وأمين سر قيادة قطر السودان لحزب البعث العربي الاشتراكي رجل يعرف تماما ما يقول رغم الأسئلة والاتهامات التي حاصرناه بها إلا أن الابتسامة لا تفارق وجهه وهو يرد بهدوء… الخبرات السياسية التراكمية التي توافرت للرجل طوال العهود السابقة جعلته قادرا على تحليل الأزمات والأحداث التي تمر بها البلاد بذهنية متقدة وبمنطق قوي وجاد…
(المجهر) التقته وأدارت معه حوار تناولنا فيه نظرة حزبه لمآلات الحوار ومستقبله في ظل الظروف الراهنة… وتحدثنا معه كذلك عن وجهة نظر حزبه حيال كثير من القضايا السياسية…
—
حوار: محمد إبراهيم الحاج
—
• بداية كيف تقرأ فرص الحوار الوطني في ظل المعطيات الحالية؟
– الحوار فقد آخر فرصه باعتقال عنصر مهم جدا من عناصر الحوار وهو السيد الصادق المهدي الذي كان داعية للتوافق الوطني مع النظام وكان يأمل في إخراج مخرج من الأزمة خلال الحوار مع النظام واعتقال المهدي على الرغم من على على استمرار الحوار اثبت عدم إمكانية إجراء حوار في إطار الديكتاتورية القائمة في البلاد…
• موقف حزبكم من الحوار كان متشددا ومتعنتا؟
– هذا وصف غير صحيح وغير دقيق ولكن من الممكن أن يوصف بأنه موقف موضوعي لأننا لم نرفض مبدأ الحوار ولكن رفضنا الحوار غير الصادق وغير الجاد ولو كان هناك أي بارقة أمل في حوار يخرج شعبنا ولو إلى حد ما من الأزمة الخانقة التي يعيشها الناس لكنا من أول المبادرين للحوار ولكن معرفتنا بهذا النظام منذ عام 1989 وتجارب القوى السياسية الأخرى المتكررة في الحوار والاتفاق وتوقيع اتفاقيات مع هذا النظام وكثير منها توافرت له ضمانات دولية، ومع ذلك لم يوف النظام بالتزاماته ولم يف بعهوده بل نكص بكل شيء… الحوار يقتضي أن يحدد الهدف من أجله ابتداء، لأن الحوار دون تحديد الهدف يدخل البلاد في حلقة مفرغة من المجادلات والمماحكات والمغالطات. الهدف المنشود هو إعادة السلطة إلى الشعب بعد فشل وراء فشل استمر لمدة 25 عاما لم يحقق نظام الإنقاذ طوال هذه المدة أي إنجاز حقيقي للسودان بل أهدر موارده وأضعف وحدته الوطنية وأدى إلى تفتيت البلد بفصل الجنوب وإلى إشاعة الحروب وإلى تدمير البنى الاقتصادية والاجتماعية لشعبنا وخلق المناخ الذي أثار النزعات الجهوية والعنصرية بسياساته وممارساته اللا وطنية والآن النظام وصل إلى نتيجة أن هناك تحديات داخلية وخارجية لا قدرة لحزب واحد بمواجهتها… لا بد أن تتجمع القوى وتتحد لمواجهة هذه التحديات ولكن الإشكالية هي كيف تتجمع…؟ هل تتجمع في شكل طابور تقف خلف المؤتمر الوطني أي رديفة للمؤتمر الوطني…؟ أم تتجمع لتشارك في القرار السياسي…؟
• وكيف تكون المشاركة في القرار السياسي برأيكم؟
المشاركة تقتضي تشكيل سلطة انتقالية وإذا وضع مبدأ تلك السلطة كهدف للحوار كان ممكنا للناس أن يجلسوا ويتحاوروا حول برنامج ولكن على ماذا نتحاور الآن. حتى أن حديثهم خلا من أي اشارة للتحول الديمقراطي
• ولكنكم رفضتم الحوار قبل رؤية كيف يفكر المؤتمر الوطني… ولم تمنحوهم الفرصة لإثبات حسن النوايا؟
– انطلاقا من خطاب الرئيس الذي أعلن فيه الحوار… هذا الخطاب طرح عدد من المحاور خلت من اي اتجاه لتحول ديمقراطي ومن اي اتجاه لمشاركة فعلية في السلطة… وأقصى ما وصلوا إليه هو تشكيل حكومة قومية… ومن يشكل الحكومة القومية يستطيع ان يحلها وان يعدلها… والحكومة القومية لا تعني المشاركة.
• من حديثك قلت ان المؤتمر الوطني اقتنع بفكرة الحوار… إذن الدعوة له كانت دعوة صادقة… وتصبح بعد ذلك كيفية الاتفاق على الآليات وأدوات التنفيذ. لماذا هذا التعنت؟
– المؤتمر الوطني لم يقتنع بفكرة الحوار… هو أعلن ان البلد في مأزق ويريد حوار ليس لإخراج البلد من المأزق وإنما لإخراج النظام من المأزق… يريد حوار لإطالة أمد النظام وهذه إحدى الخدع التي أدمن النظام على ممارستها منذ فجر الجمعة 30 يونيو 89…
• إذن هل هناك خيار بديل للحوار؟
– نعم. إما أن يكون حوار جاد وصادق لإخراج البلد من أزمتها… وإما أن يكون خيارنا الذي اعتمدناه منذ البداية وهو تعبئة جماهير شعبنا لاقتلاع النظام.
• ولكن هذا الخيار مكلف للغاية؟
– ليس لدينا خيار آخر… إما أن نخضع لهذا النظام ويستمر وهو يشكل عقبة كؤودا أما حركة التطور الوطني في البلاد وتستمر الحرب والتمزق وتستمر معاناة شعبنا سواء من الحروب أو من ضيق العيش أو أن نستنهض جماهير شعبنا لأن تحررا إرادتها وتمسك بزمام مصيرها… نحن نرفض الوصاية… ونرفض تسلط المؤتمر الوطني علينا وعلى شعبنا… الحرية لنا ولشعبنا.
• ولكن هذا الخيار قد يقودنا إلى سيناريوهات قريبة من سوريا ومصر وكثير من المراقبين يرون أن السودان مهيأ للانفجار بأعنف مما في تلك البلدان… وقد تحصل دماء كثيرة جدا مثلما حدث في سبتمبر؟
– نحن نوافقهم على هذا التخوف… ونعمل حتى لا يحدث ذلك في السودان بدعوتنا إلى إيقاف الحرب في السودان… نحن نقف في مسافة متساوية بيننا وبين النظام وبيننا وبين الحركات المسلحة… لقد رفضنا العنف ابتداء ورفضنا أن نشارك في اسمرا مع القوى المعارضة التي انتهجت العنف انطلاق من اسمرا كوسيلة للتغيير ودعونا لحل ديمقراطي سلمي… ولذلك نحن مصرون على اعتماد السلمية كمنهج وأساس في النضال الوطني…
• ماذا تعني بالادوات السلمية؟
– أعني بها التعبير عن الرأي -بكل الوسائل الممكنة- واستثمار هامش الحرية الضيق إلى أقصى مدى ممكنا وإذا حرمنا منه لدينا وسائلنا الأخرى للتواصل مع شعبنا كما فعلنا أبان عبود ونميري في سبيل تأطير هذا الشعب وتنظيمه لإنجاز إضراب سياسي وعصيان مدني وانتفاضة شعبية شاملة. وذات هذه الأسئلة التي تطرح علينا الآن كانت تطرح علينا أبان نظام نميري وكان يقال إن هذا النظام لن يسلم السلطة إلا للمسيح الدجال ومع ذلك تمكن شعبنا بعد انتفاضات متعددة توجت بانتفاضة حاسمة في (مارس – أبريل) من إسقاط النظام وأسترادا حريته وكرامته وهذا الضيق الذي يعيشه شعبنا يدفع ببعض الناس إلى اليأس والإحباط ولكن نحن متفائلون لأننا نثق أن شعبنا قادر على إنجاز انتفاضته وقادر على أن يملي إرادته على أي قوة تحاول أن تتسلط عليه أو تفرض وصايتها عليه…
• انتهجتم في حزب البعث شكلا جديدا من المواجهة وهي نزول كوادركم إلى الشارع ومخاطبة الناس وحثهم على الثورة ضد الحكومة؟
– هذه عملية متقدمة في حركة النضال الوطني بالتفاعل مع الجماهير وتعبئتها. نحن في الحقيقة وجدنا تجاوبا واسعا من جماهير شعبنا لأننا عبرنا عن حقيقة مواقفها وعن رأيها فيما يسمى بالحوار الوطني ورأيها في النظام ووجدنا اتجاها واسعا وسط الجماهير لنضال ديمقراطي سلمي وهذه الجماهير لا تعول لا على الحوار ولا على الحركات المسلحة وإنما تعول على إرادتها هي. والمهم في هذا الموضوع أن تنظيم الجماهير على صعيد قطاعاتها المهنية وعلى صعيد تنظيماتها الجماهيرية الديمقراطية الشباب والنساء والطلبة والمزارعين هو ضروري ليس فقط لتعبئة الشارع لإسقاط هذا النظام وإنما لتمكين الجماهير للإمساك بزمام أمورها في مواجهة أي بديل قادم لأن إسقاط النظام لا يعني إيجاد حل مباشر للأزمة وإنما يعني التخلص من عقبة كؤودة أمام هذا الحل. ولكن بعد إسقاط النظام علينا أن نخوض نضالا وسط جماهير شعبنا وبواسطتهم في سبيل انتزاع حقوقها وأن تفرض برنامجا وطنيا تقدميا… لأن هذه البلاد لا يمكن إيجاد حل لازمتها إلا من خلال برنامج وطني تقدمي في إطار الديمقراطية…
• ألا تتفق مع أن المخاطبات الجماهيرية في الشوارع والميادين هي خطوة استفزازية للحكومة؟
– نحن يهمنا أن نتفاعل مع الجماهير وأمس كانت هناك مخاطبة في الجامعة الأهلية وكان الحضور قرابة الألف طالب وكانت مخاطبة ضخمة جدا خاطباها المناضل محمد صالح عبده وبعد نهاية المخاطبة حوصرت الجامعة وتم الاعتداء على الطلاب وامسكوا بمحمد صالح وأوسعوه ضربا… نحن نعرف أن هذه المخاطبات تتطلب تضحيات ونحن مستعدون لتقديمها… شبابنا وشعبنا متحفز للنضال ومستعد لتقديم التضحيات في سبيل تحقيق ما يريد… أما النظام عندما يُستفز بمجرد كلمة من الجماهير وهو القائل إن النظام الذي يخاف الكلمة لا يستحق البقاء فهذا يعني أنه لا يستحق البقاء… والنظام تتبجح قياداته بأن له قاعدة شعبية عريضة وان أعضاء المؤتمر الوطني بلغوا أربعة ملايين من الرجال والنساء وأن الأحزاب الأخرى ضعيفة ومعزولة شعبيا فإن كانت هذه قناعتهم حقيقية فلماذا يُستفز من قيام بعض الأحزاب من مخاطبة الجماهير والتفاعل معها؟
• انتقلت مواجهتكم للحكومة من الكتابة على الحوائط والجدران إلى مخاطبة الجماهير في الميادين. والكتابة على الحوائط من الأدبيات المعروفة لحزب البعث، هل تعتقد أن هذه وسيلة ناجعة؟
– كانت وسيلة ناجعة جدا في عهد نميري فقد استفزت نظام نميري وأيضا في بدايات عهد الإنقاذ والآن ودون أن نسقط الكتابة على الجدران إذا كانت الخيار الأخير ولكننا نكتب على جدران النت وعندنا هامش ضيق من الحريات نستخدمه للآخر… وإذا أغلقت هذه المنافذ أمامنا فسوف نعود للكتابة على الجدران والمنشورات وكل الوسائل التي تمكننا من التفاعل مع شعبنا.
• صوت حزب البعث عاليا جدا مقارنة بكوادره القليلة جدا؟
– أصحح هذه المسألة أن حزب البعث يكاد يكون أوسع حزب من ناحية الكادر في السودان ولكن يمكنك أن تقول إن هناك أحزابا أخرى أوسع على صعيد القاعدة الجماهيرية… نحن نستطيع أن نقدم مئات الكوادر للتفاعل مع شعبنا في كل ولاية من ولايات السودان… بينما كثير من الأحزاب تعتمد على زعماء لمخاطبة الجماهير من بعيد… في حين نحن لدينا القدرة على مخاطبة الجماهير في كل المواقع وفي وقت واحد وأثبتنا هذه المسألة أيام نميري… كنا في ليلة واحدة وفي وقت واحد نملأ كل جدران مدن السودان وليس العاصمة وحدها ويمكننا في توقيت واحد أن نحرك كادر واسع في مخاطبات في كل أنحاء السودان…
• ماذا كنتم تعملون أيام نميري الذي كان حينها يفتقر لأدوات التواصل المتاحة حاليا؟
– في ذلك الوقت كنا نعتمد على ثلاثة أشياء. الكتابة على الجدران… المنشورات… وصحيفة الهدف التي كنا نطبعها بكميات كثيرة جدا ونوزعها على الناس في بيوتهم وعلى المؤسسات الحكومية وحتى في سيارات الأمن نفسها… الآن طالما أن هناك صحافة وهامشا من الحرية وهناك فرصة لمخاطبة الشعب ضمن هذا الهامش لا نحتاج إلى هذه الوسائل ولكننا كما أسلفت إذا أغلقت هذه الأبواب وصودر ما تبقى من هامش للحرية للإعلام وللقوى السياسية والاجتماعية والنقابات سوف نلجأ للطرق الأخرى… أي أننا لن نتوقف…