
إعلان نيروبي.. قراءة أخرى
بقلم : م. عادل خلف الله*
“ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار”
الإمام علي بن طالب
كم هو مفيد الحوار حول قضايا التطور الوطني، وأميزه الحوار مع الفصائل التي عبرت عن قضاياه بحمل السلاح، لاثراء الاتجاه للحلول السياسية السلمية الديمقراطية، كما أكدت ذلك سلاسل الانتفاضات والهبات الجماهيرية، وانتقال من حمل السلاح للنضال والعمل في الميدان السياسي.وبالقدر الذي يكون الحوار وتفاهماته بعيدا عن تكتيك الاستقواء بالبندقية كما جرى في تجارب سابقة .
وفي ظل حرب التدمير العبثية ومساعي إطالتها وتوسيع نطاقها، من داخلية وخارجية، يكتسب الحوار أهمية قصوى بما يضيفه من ثقل على ميزان جهود وقفها كأولوية، ودون شروط . ومن ذلك اعلان نيروبى .
في التوقيع الثاني لإعلان نيروبي بين د. “حمدوك” وأستاذ “عبد الواحد نور” و”أ.عبد العزيز الحلو” التأكيد على العمل معاً في المرحلة القادمة لمواجهة كل المخاطر وإيجاد الحلول المستدامة لها .هذه الفقرة تعتبر الإطار العام لما تم الاتفاق عليه مستقبلا وإعلانه.ومن ذلك دعوة الطرفين للوقف الفوري للحرب بالتفاوض والتعاون بجدية بما فيها مع منبر جدة .
ومع التأكيد على وحدة السودان شعباً وأرضاً وسيادته على أرضه وموارده الواردة في أكثر من مرة إلا أن الموقعين تناقضوا مع ما دعوا إليه ، بالتعامل مع الوحدة الوطنية ، كأهم الثوابت الوطنية وكأنها شعار أو قضية سياسية او مطلبية ، يمكن إخضاعها للتكتيكات والمناورة ، وفي ظل الحرب، بإعادة الحديث مجددا عن الوحدة الطوعية وإلا حق تقرير المصير !، ودون التعلم من تجربة فصل الجنوب عن الشمال التي تمت تحت تسويق ذات الأطروحات .
تسلل “تقرير المصير” لأروقة بعض القوى السياسية من دهاليز السياسة الأمريكية عبر ما عرف بندوة واشنطن مطلع تسعينيات القرن الماضي وتبنيه من قبلها فيما عرف بمؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية . والذي نبه البعث من مخاطر تبنيه كحل زائف لقضية حقيقية ، واستخدام متعسف ومخالف لموجبات تطبيقه كما اقرته الجمعية العامة للامم المتحدة ابان تصاعد حركة النضال التحررى فى افريقيا وٱسيا والامريكيا الجنوبية، و تاكيد البعث بانه لن يقود إلا للانفصال، الذي وضع تبنيه الأساس المادي له، وبغض النظر عن نوايا الموقعين فإن إعادة تبني الدعوة لتقرير المصير، وفي ظل الحرب لا يخدم إلا المخطط المعلن لتفتيت السودان وتقسيمه .
لقد توسع الإعلان في طرح قضايا مصيرية، كشكل ونظام الحكم وعلاقة الدين بالدولة والهوية الوطنية والثقافية لشعب السودان وتكرار الحديث عن (التأسيس) في عدة قضايا بعموميات وكأن شيئا من قبل لم يكن رغم الحديث عن تراكم نضالات الشعب وانتفاضاته بيد ان من الاسباب الجوهرية للحرب يكمن فى عدم استكمال مهام ما بعد الاستقلال السياسى .
ماهو جدير بالتوقف عنده أن القوى السياسية” الشمالية” التي تورطت حينها في تبني الدعوة لتقرير المصير، كحل زائف ومفتعل لقضية الجنوب، سرعان ما تنكرت لذلك حينما أدركت ما نبه ثم حذر منه حزب البعث العربي الاشتراكي، بأن ذلك وضع الأساس المادي للانفصال، ورفع الحرج فى ذات الوقت عن سلطة الجبهة المتأسلمة التي دعت حسب لغة جبهة الميثاق “الإسلامي” للتخلص من الجنوب” منذ ستينات القرن الماضى ،كعقبة امام مشروع “الجمهورية الأسلامية” الذى طرحته فى ذلك الوقت. اهتبلت سلطتها السانحة ،التى هبطت عليها كهدية من عل ،وضمنته في الدستور وفق ما عرف باتفاقية الخرطوم للسلام، بعد اتفاقها مع المجموعة التي انشقت عن قيادة د.”جون قرنق” .
فإذا تنكرت القوى التي تبنته نتيجة استقوائها ببندقية الحركة الشعبية التي قادتها لتبني أطروحاتها، في حينها. وتلغفته السلطة المستبدة ،وحدث الانفصال ،كما اشاره اليه البعث وقوى اخرى وشخصيات ، نقول ما هو جدير بالتوقف عنده قبول د. “عبد الله حمدوك” وفي ظل أجواء الحرب، باطروحة تقرير المصير ،بعد كل ذلك ،وهو حسب تجربته في أروقة المنظمات الدولية يعلم خطوات مخطط تفتيت السودان وتقسيمه والذي شكل فصل الجنوب بدايته .
الجديد في الإعلان أيضا التراجع عن اعتبار قضايا نظام وشكل الحكم ،وعلاقة الدين بالدولة والهوية الوطنية لشعب السودان وغيرها تتطلب توافق وطني واسع عبر مؤتمر دستوري، بما فيها مؤتمر لنظام وشكل الحكم ، واختزالها في مائدة مستديرة وكانها قضايا وتطلعات نخبوية .
ورغم تواتر الحديث عن العدالة والمساواة والجذور التاريخية للأزمة الوطنية، لاسيما أجزاء البلاد التي شملها قانون الاستعمار الإنجليزي( المناطق المقفولة) خدمة لأهدافه الاستعمارية ومنها العزل وإعاقة دورة التدامج الوطني، خلا الإعلان من اي تصور اقتصادى واجتماعي للأزمة وتداعيات الحرب ودور دولة الرعاية، في حشد الموارد وإعادة توزيعها، خدمياً وتنموياً، بما يكفل مجانية العلاج والتعليم وبما يحقق التنمية المتوازنة .
فى التقدير، أن أحد تفسيرات التوقيع الثنائي، على المضمون وبصفتين، بحضور الرئيس الكيني يؤكد أن حلول قضايا ما بعد وقف الحرب وكأولوية، لا يمكن انضاجها وضمان الالتزام بها وتحققها ودون تفريط في الوحدة والسيادة، إلا عبر أوسع توافق وطني وعبر موتمر جامع ومؤتمرات متخصصة. والتي لا تنتقص من جدوى الحوارات الثنائيه بقدر تعبيرها عن إرادة الشعب وتقاليده النضالية وتطلعاته .
توقيع د. “عبد الله حمدوك” وبشكل ثنائي ،وبصفتين ، على محتوى إعلان نيروبى بتراجعاته، يعيد للأذهان توقيعه على اتفاق “21” نوفمبر “2021م” بعد أقل من شهر مع انقلابي قوى الردة، الانقلاب الذي رفضه الشعب وقاومه قبل أن يعلن بيانه الأول . فى الوقت الذى تعد فيه الوحدة والنظام الديمقراطي التعددى المستدام بالانجاز والتنمية ولصالح غالب الشعب وقواه المنتحة عنوان لمرحلة ما بعد وقف الحرب ،والتى ما من شك لا يمكن ان يحققها تصور ايدولجى او توجه اقتصادى احادى .
وبمنطق، الفقرة “4 ز” ( في حالة عدم تضمين هذه المبادئ في الدستور يحق “للشعوب” السودانية ممارسة حق تقرير المصير ) من الإعلان يطرح السؤال:
ماذا يكون مصير” مبادئ” هذا الإعلان إذا لم يتبن المؤتمر التأسيسي “لتقدم” بعد أيام تلك المبادئ؟
*المهندس عادل خلف الله – الناطق الرسمي باسم حزب البعث العربي الاشتراكي-