مشروع رؤية وبرنامج من حزب البعث العربي الاشتراكي (الأصل)
مقدم لكافة القوى السياسية والاجتماعية وقوى الثورة الحية لإغنائها بالحوار والتفاعل الإيجابي وتطويره من أجل تعزيز الجهود الجارية لتوحيد قوى الثورة الحية في جبهة شعبية عريضة
حول الجبهة الشعبية العريضة للديمقراطية والتغيير
مقدمة:
شكلت انتفاضة ديسمبر الثورية المجيدة علامة فارقة في نضالنا الوطني من حيث تميزها النوعي بالوعي والتنظيم وقدرتها على حشد أكبر وأوسع إرادة شعبية ملتزمة بنهج وتقاليد النضال السلمي الديمقراطي تجلى في أكبر فعل ثوري تشهده بلادنا طوال تاريخها، وتسلحت بالإيمان بقوة الجماهير وإرادتها في صمودها وتصديها لكل صنوف التنكيل والقمع والمحاولات المستميتة لاحتوائها وإجهاضها في مواجهة قوى الردة والاستبداد وأمراء وتجار الحروب وقوى التآمر المحلي والخارجي أعداء الشعب والوطن.
إن حرب التدمير العبثية التي يدفع شعبنا أثمانها الباهظة من حياته ودمائه وتشرده ومعاناته وتخريب موارد البلاد وبنيتها التحتية؛ هي في حقيقة الأمر حرب بين أطراف تحالفت على اجهاض الانتفاضة الثورية وقطع الطريق أمام تحقيق أهدافها في التغيير وبناء سلطة التحول المدني الديمقراطي وتعمل على فرض واقع سياسي يكرس الاستبداد ويستهدف إشاعة خطاب الكراهية والتجييش بإثارة النعرات القبلية والمناطقية والعنصرية المقيتة بهدف تمزيق النسيج الوطني لمكونات شعبنا وزجهم وتوريطهم في حرب أهلية تمهد الطريق لتفتيت بلادنا إلى دويلات.
إن شعبنا قوي بتعبيراته السلمية وقد اختزن من تجاربه وخبراته النضالية المتراكمة ما يؤهله لفرض إرادته لإيقاف هذه الحرب وهزيمة هذا المخطط، فالجماهير هي صاحبة المصلحة الحقيقية في المحافظة على أمن واستقرار ووحدة البلاد وسلامتها وتقدمها فلا وصاية على الشعب ولا سلطة لغير الشعب.
انطلاقا من إيماننا بضرورة حشد أوسع إرادة شعبية للمحافظة على مصير ووحدة بلادنا أرضاً وشعباً، واستشعاراً لمسوؤليتنا تجاه معاناة شعبنا، واستجابة للحاجة الموضوعية الملحة بأهمية تتويج الدعوات المتصاعدة من أجل وحدة كل القوى الحية الوطنية والاجتماعية والديموقراطية، كشرط أساسي لمواجهة أولوية هدف إنهاء الحرب وإيقاف توسعها جغرافياً واجتماعياً ومعالجة تداعياتها من ناحية، واستعادة نهج الثورة وطريقها للديموقراطية والحكم المدني، من الناحية الأخرى، في سياق ترابط عضوي؛ تنبثق (الجبهة الشعبية العريضة للديموقراطية والتغيير) من أجل:
تنظيم قوى المجتمع الحية من القوي السياسية والاجتماعية الوطنية ولجان المقاومة والنقابات العمالية والمهنية والأجسام النقابية والمنظمات النسوية والطلابية وغرف الطوارئ واتحادات وروابط المزارعين والقوى المجتمعية الأهلية وفصائل العمل المسلحة التي لم تشارك في الانقلاب ولم تدعم الحرب بالانحياز لأحد طرفيها، في إطار يوحد وينسق نضالاتها في مختلف المواقع، ويمثل رافعة للارتقاء بجهودها وتلاحمها مع جماهير شعبنا لاستنهاض الحركة الجماهيرية الديمقراطية من أجل تحويل أهداف النضال الوطني في وقف الحرب وتحقيق السلام والعدالة والوحدة الوطنية والمحافظة على الاستقلال والسيادة الوطنية إلى حالة نضالية واجتماعية متجذرة داخل النسيج الشعبي وتساهم في رسم مستقبل بلادنا بإرادة شعبية موحدة.
الاتفاق على خطاب إعلامي موحد وميثاق شرف بين كل القوى المشكلة للجبهة يعزز الثقة في وحدة الشعب السوداني وقيمه وإرادته وقدرته على تجاوز الحرب وآثارها وذلك باستمرار مضاعفة الجهود التعبوية بكافة الوسائل السلمية والضغط لوقف الحرب، وفضح طبيعة ودوافع مخططات طرفيها وبعدها عن الشعب ومصالحه العليا، وعزل دعاتها من أي حواضن شعبية، وتعريتها وفضح عزلتها وعزلة القائمين بأمرها، من قوى الردة والفلول والأطراف الإقليمية والدولية المساندة والضالعة في تسعيرها وتصعيدها، وتأكيد أن مصلحة الشعب الحقيقية تكمن في وقف الحرب وتغليب إرادة السلام والديمقراطية كنقيض لدعاة الحرب وتصعيدها.
من أجل تجاوز سلبيات تجارب العمل الجبهوي السابقة، والتي ساهمت بصورة أو أخرى، في إجهاض الانتقال الديموقراطي، وفي إطالة أمد الحرب، والتأكيد، مجدداً، على موضوعية التباينات واختلاف وجهات النظر وسط مختلف القوى المكونة للجبهة الشعبية العريضة للديمقراطية والتغيير، باحترام مبادئ العمل الديمقراطي الجبهوي المشترك والالتزام بأسسه وتقاليده، لكي لا تكون تلك التباينات أو الاختلافات عقبة أمام وحدتها، على طريق إنجاز الأهداف المشتركة وإحكام التنسيق فيما بينها لاستعادة مشروع الثورة وزخمها وعنفوانها على طريق تجديد النضال من أجل الحرية والسلام والعدالة.
الاستجابة للتحديات التنظيمية والنضالية التي فرضتها الحرب، والتي أدت إلى مقتل ما يزيد عن “15” ألفاً، وتشريد “10.7” مليون مواطن من ديارهم ومن منازلهم ودفعت بهم إلى مراكز الإيواء، في الداخل، أو مراكز اللجوء خارج الوطن، التي استقبلت منهم “1.7” مليون مواطن، حسب أحدث الإحصاءات. إلى جانب الحاجة الماسة للاستجابة الإنسانية لمتطلباتهم، تطل كذلك الضرورة النضالية لتفعيلهم، كطليعة للنضال من أجل وقف الحرب، بما يتطلبه ذلك من مهارات تنظيمة وإدارية. أدت الحرب، إلى شل نشاط القوى المدنية التي تنتهج السلمية أسلوباً لعملها، وتحييدها خلال شهور الحرب الماضية. وآن الأوان لأن تعود هذه القوى لموقعها في النضال الوطني والديموقراطي، وأن يكون لها حضور جماعي موحد ومنظم وفاعل ومؤثر ودور ملموس وطليعي يمكنه من ملء الفراغ الناجم عن تراجع النشاط السياسي السلمي داخل البلاد، في المطالبة بتحقيق وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار وصولاً لإنهاء الحرب، ومعالجة تداعياتها وآثارها، بوقف العدائيات لضمان سلامة المدنيين وتوفير الممرات الآمنة لعودة المواطنين إلى منازلهم وتسهيل انسياب الخدمات الأساسية، وفي المشاركة الفعالة لإنفاذ رؤيتها السياسية لتأسيس وترتيب الأوضاع السياسية والعامة في البلاد في مرحلة ما بعد الحرب، وتعزيز دور الجبهة في مواجهة مخططات قوى الردة والاستبداد والفساد وهزيمة مشروعها التفتيتي والمحافظة على وحدة شعبنا وأمنه واستقراره واستقلال وسيادة بلادنا.