

بسم الله الرحمن الرحيم
حزب البعث العربي الاشتراكي (الأصل)
قيادة قطر السودان
اللجنة الاقتصادية
التأثيرات والأدوار الإقليمية والدولية في مجريات الحرب وتطوراتها والمعالجة المقترحة لتداعياتها ومنهجها.
(3-3)
مقدمة:
بمرور أكثر من عام على حرب التدمير العبثية التي اندلعت في 15 أبريل/ نيسان من العام الماضي، بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، تتناول مساهمة اللجنة الاقتصادية لحزب البعث العربي الاشتراكي، بالرصد والتحليل، وبمنظور اقتصادي اجتماعي والتركيز عليه، بالرصد والبيانات والمعلومات، ما أمكن، والتحليل، تداعيات الحرب وآثارها البنيوية على مجمل الأوضاع في البلاد ومنهاج معالجتها من خلال ثلاثة محاور:
1/ التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للحرب.
2/ الجذور والأبعاد الكامنة للحرب.
3/ التأثيرات والأدوار الإقليمية والدولية في مجريات الحرب والمعالجة و المقترحة لتداعياتها ومنهجها.
(3-3)
يشغل السودان مساحة تقدر ب 1.8 مليون كيلومتر مربع، ويعد ثالث أكبر دولة أفريقية، وثالث أكبر دولة عربية بعد الجزائر والسعودية، ويطل على أهم ممر ملاحي عالمي هو البحر الأحمر بطول 670 كيلومتر. ويمتد فوق منطقة حيوية جيوسياساً وتحيط به سبع دول هي مصر وليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا وإريتريا، بينها 4 دول مغلقة لا ساحل لديها على البحر، تتسم جميعها بالهشاشة الأمنية والاقتصادية. ويبلغ عدد سكان هذه الدول حوالي 290 مليون نسمة. نحاول في هذه المساهمة استعراض لتأثير الحرب وانعكاساتها على النظام الإقليمي وأمن البحر الأحمر، وموقف القوى الدولية ذات النفوذ والمطامع. ودور ومصلحة كل من اللاعبين الإقليميين والدوليين في هذا النزاع. منذ بداية الحرب في 15 أبريل 2023م أصبح السودان مبعث مخاوف إقليمية ودولية متصاعدة والكل يراقب تداعياتها على دول الإقليم والعالم. على صعيد دول الجوار ونتيجة للتعقيد والتشابك الحدودي وضياع ملامح سيادة الدولة فمن المتوقع أن تتأثر الحدود، إذا ما استمرت وتطورت الحرب مع كل من إثيوبيا وجنوب السودان ومصر، وتزداد احتمالات تمدد الحرب إلى بعض دول الجوار ذات التداخل الديمغرافي. ونتيجة لغياب السلطة وانشغال الجيش بالحرب فسوف تتنامى عمليات التهريب للبشر والسلع والمرتزقة عبر الحدود وتنشط شبكات الإرهاب وتزدهر تجارة السلاح، ولكل منها مصلحة كبيرة في استمرار النزاع لأطول مدى، وعدم الاستقرار. كما أن لجوء ملايين السودانيين لدول الجوار، فضلا عن تأثيراته على الدول المضيفة، فإنه يشكل ثغرة على صعيد الأمن الوطني إذ ربما تسعى أجهزة الاستخبارات الأجنبية الإقليمية والدولية إلى تجنيد البعض مستغلة أوضاعهم الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية كونهم بلا عمل ولا حماية.
إن موقع السودان الجيوسياسي وتمتعه بموارد اقتصادية هائلة يجعله دون شك موضع أطماع إقليمية ودولية لا تخطئها عين الحادبين على سيادة و وحدة السودان. وفي ظل حرب التدمير العبثية الحالية تتضاعف الأخطار الناتجة عن بحث أطراف الحرب عن الداعمين الإقليميين والدوليين مما يفتح المجال أمام استمرار الحرب وإمكانية سيطرة الداعمين الإقليميين والدوليين على مصير بلادنا.
يضاف إلى ذلك تعاظم ندرة المياه والأراضي الصالحة للزراعة على مستوى العالم مما يجعل بلادنا أيضاً هدفا للقوى الإقليمية والدولية الطامعة في مياهنا وأراضينا الزراعية والغابية والمعدنية.
وبالرغم من دخول الحرب عامها الثاني فليس هناك ما يدل على نهاية قريبة لها، سيما أن تصرفات الطرفين تتسم بعدم الرغبة أو الاستعداد، فيما لا تخفي قيادات في الجيش المناداة بالحسم العسكري ورفض أي حوار، كلما تم الإعلان عن دعوة لاستئناف المباحثات لوقف الحرب وبالتناغم مع تصاعد إعلام وخطاب الفلول. كما أن الضغوط الدولية على الطرفين ليست حاسمة لاعتبارين، أولهما مصالح اللاعبين الدوليين وأولوياتهم التي ظهرت في استمرارها لأكثر من عام بأسلوبين أولهما اعتبارها “الحرب المنسية”، رغم ما ترافق معها من انتهاكات وجرائم وتهجير وتدمير للبنى التحتية والأعيان المدنية، وبما يخالف القوانين الدولية والآخر بمنهج “لا غالب ولا مغلوب “. وثانيهما، كما تقول الدراسات والبحوث أن العديد من الحروب “الأهلية” المعاصرة باتت حروباً يكون التمويل فيها ذاتياً أي أنه، وفي الكثير من الأحيان، تموّل هذه الحروب نفسها بنفسها، عن طريق رهن ونهب موارد البلد التي تقع تحت سيطرة كل طرف وربما بيع مقدرات ودلالات السيادة لتمويل الحرب، ولا يمكن عزل ما تعرض له بنك السودان والجهاز المصرفي وفروعه والمراكز الصناعية والتجارية والمالية والأسواق وممتلكات المواطنين ومنازلهم من استباحة ونهب وإتلاف لا مثيل له، وشيوع ظاهرة أسواق المسروقات، بمسميات ذات دلالة، إضافة إلى نهب مخازن الغذاء ومستودعات الوقود وفرض الأتاوات ورسوم العبور في الطرق عن ذلك، خاصة في ظل غياب أي رقابة قضائية أو قانونية مضافا إلى غياب الوازع القيمي والأخلاقي التي أظهرتها مجرياتها في سلوك أفراد القوات المحسوبة على طرفي الحرب لا سيما قوات الدعم السريع.
المعالجات المقترحة المطلوبة لتداعيات الحرب ومنهجها
لتجنب ما يسمى “فخ الصراع”، وهو عودة البلد إلى الحرب مجدداً في غضون 10 سنوات، لابد من الإطلاع على التجارب العالمية التي خاضت حروبا داخلية والخروج منها بدروس مستفادة، كونها توفر إطارا موضوعيا لتحليل العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، التي تُشكّل طبيعة الحروب الأهلية المعاصرة، فقد دلت التجارب الحديثة أن هذه الحروب هي مزيج من القوات النظامية المنشقة والجماعات السياسية المسلحة والجريمة المنظمة وميليشيات ومرتزقة ومافيات إجرامية، وهي ذات تنظيم لا مركزي، يتغذى اقتصادها على الموارد الخارجية، والتمويل الذاتي بالنهب والسلب، وعلى السوق السوداء والمتاجرة بالسلاح والوقود، والتهريب وفرض الأتاوات.
وتعتمد استراتيجيتها على خلق مناخٍ من انعدام الأمن وزعزعةَ الاستقرار، وزرع الخوف والسيطرة عبر التهجير القسري للسكان والقتل الجماعي والكيفي والحصار والتعذيب وتدمير المعالم الحضارية التاريخية كجزء من تقنيات الترهيب السياسي، فهناك ثماني ضحايا مدنيين مقابل كل عسكري واحد.
بأي كيفية انتهت بها حرب 15 أبريل؛ فهناك آثار وتحديات اقتصادية اجتماعية وسياسية داخلية ضخمة ومركبة، تواجه الدولة وتتلخص في انهيار اقتصادي حاد، ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، وانهيار النظام النقدي، إعادة بناء الاقتصاد واستعادة سبل كسب العيش، وتحديات إدارة الانتقال من الحرب إلى السلام وإعادة بناء وإصلاح مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، والمؤسسات الاجتماعية والسياسية ومعالجة عدم المساواة والتوترات الاجتماعية والنفسية، وإعادة بناء الثقة والتماسك الاجتماعي والسلم الأهلي والشعور بالهدف المشترك في أعقاب الدمار الهائل الذى طال البنى التحتية والقطاعات الخدمية والإنتاجية، التي تمت الإشارة إليها في بداية هذه المساهمة، والاضطراب الناجم عن الحرب. وأيضا هناك تحديات ومخاوف خارجية ناجمة عن تنامي دعوات المطالبة بالحكم الذاتي وتقرير المصير، لدى بعض النخب، دون التعلم من تجربة فصل الجنوب عن الشمال، مسنودة بمخططات التحالف الصuيو إمبريالي ( تمت الإشارة إليه) وانخفاض الدعم الخارجي للبلدان، وتوسع مفهوم التدخلات في أوضاع ما بعد انتهاء النزاعات من خلال عمليات حفظ السلام، وحماية المدنيين ونزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، والتركيز على فرض وتسويق سياسات التحرر الاقتصادي والخصخصة على نطاق واسع، الأمر الذي يؤدي إلى إضعاف الدولة ويضع مفهوم الدولة التقليدي والسيادة موضعَ تساؤل.
1/ تبني استراتيجية وطنية للإعمار والانعاش (سواعن)، جمع سعن، ونقصد بها صياغة مشروع وطني يهدف لتحقيق سلام دائم يمنع فرص العودة نهائيا للحرب ويحدد الغايات والأهداف والنتائج المتوخاة من عمليات الإعمار والتأهيل والانعاش على المديين القريب والبعيد في كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتحديد الأولويات والخطط ومراحل التنفيذ.
ومع الوعي التام بأهمية إشراك واستصحاب كافة مكونات المجتمع السوداني الفكرية والسياسية والجماهيرية والاجتماعية والثقافية والأكاديمية في صياغة هذه الاستراتيجية، فإننا في هذه المساهمة، وبكل تواضع، نقدم رؤيتنا بانفتاح فكري وعملياتي للآخرين للمساهمة والتطوير منطلقين من قناعة راسخة أنه لا يمكن لفصيل سياسي واحد أو مكون اجتماعي واحد أو محدود صياغة هكذا استراتيجية وطنية، باعتبار ما يهمنا أيضاً إمكانية تحققها وتنفيذها على أرض الواقع.
2/ الإصلاح السياسي:
تحدد النظريات السياسية الخاصة بالنزاعات والحروب الأهلية، أربعة عناصر لإعادة بناء السلم الداخلي الوطني، للبلدان الخارجة من النزاعات والحروب والحروب الأهلية، وهي: الأمان والاستقرار، الانتعاش الاقتصادي، الديمقراطية، بناء الدولة.
وتمثل هذه العناوين الركائز الأساسية لأي جهد يبذله أي بلد للتعافي من آثار النزاع. والمقصود بـ “الأمان والاستقرار” توطين اللاجئين والنازحين وإعادة تأهيل المقاتلين بعد نزع سلاحهم، ويقصد بـ “الانتعاش الاقتصادي” إعادة بناء وتحويل الاقتصاد، لتحقيق النمو الاقتصادي والحد من الفقر والبطالة، من أجل منع نشوب النزاعات مرة أخرى وتشير “الديمقراطية وبناء الدولة”، إلى الممارسات الديمقراطية المرتبطة بالانتعاش الاقتصادي والأمن، واستعادة عمل مؤسسات الدولة.
كان لفساد واستبداد الأنظمة العربية الحاكمة دور كبير في تفجر الانتفاضة الشعبية العربية الواسعة التي انطلقت في عام 2011م وكشفت حدّة الانقسام بين الدولة والمجتمع والفوارق الاجتماعية العميقة الناجمة عن انعدام العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للموارد والثروات، وانعدام الثقة في هياكل الحكم غير الرشيد الذي كرس السلطة والثروة لدى نخبة مهيمنة غير ديمقراطية أدت إلى تشويه نظم الحوكمة وتنمية غير متوازنة. وفي السودان ساهم الخلل البنيوي في هيكل الحكم في تسيد أنظمة انقلابية عسكرية مستبدة معظم فترة الحكم الوطني. لذا أضحى الحكم المدني الديمقراطي البرلماني مطلب وخيار الشعب، ولضمان نجاح واستدامة التحول المدني؛ لابد من بناء مؤسّساتٍ مركزية ديمقراطية واعتماد نظام لا مركزي ديمقراطي، متوافَق عليه، قائم على مبدأ المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات والتداول السلمي للسلطة ومستوياتها والتمثيل فيها عبر الانتخاب الحر الشفاف. ينظم العلاقة بين المركز والمستويات الأخرى، يحشد ويسيطر على الثروات والموارد، ويعيد توزيعها بشكل عادل ومتوازن. ويعيد صياغة العقد الاجتماعي بين المواطن والدولة ويعزز الثقة في مؤسساتها والمؤسسات الاجتماعية والسياسية والثقافية، بما يهيئ بيئة مستقرة وآمنة تلبي احتياجات السكان المحليين عبر إشراكهم في الحكم والتخطيط والمراقبة، بدلا من تعزيز سلطة النخبة الفوقية.
2.1 إعادة الإعمار والإنعاش
ضرورة اتباع نهج شامل يركز على إعادة بناء الاقتصاد، والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، بهدف معالجة الأسباب الجذرية للصراع، بدلا من مجرد إعادة البناء المادي السطحي.
دلت التجارب أن إعادة الإعمار خطوة ضرورية لضمان عدم العودة للصراع مجددًا، تعددت تجارب إطلاق وتنفيذ برامج إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد النزاع وما زالت خطة مارشال تُعدّ الخطة الأكبر طموحًا في التاريخ لإعادة بناء أوروبا المدَمّرة بعد الحرب العالمية الثانية، إذ قدمت الولايات المتحدة معونةً كبيرة لإعادة بناء أوروبا، تاركةً لحكومات البلدان المتضررة تحديد أولويات الانفاق من دون تدخل منها، وبموجبها تمكنت ألمانيا من إعادة تأسيس اقتصاد قوي ومستقل. على عكس تجربة البوسنة حيث ترتب على الضخ الكبير والسريع لمساعدات إعادة الإعمار تأسيس حالة من الاعتمادية البنيوية للاقتصاد البوسني على المساعدات الخارجية وتحولت إلى سمة مستدامة لاقتصاد البلاد، أما التجربة الليبرية والتي امتد فيها الصراع لأكثر من 15 عام فقد تداخلت المهام العاجلة كإعادة تأهيل البنية التحتية وتوطين النازحين بمهام تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي، أما التجربة الرواندية فجديرة بالاهتمام واستخلاص الدروس .
3.1 البدء الفوري في تنفيذ الوثيقة الاستراتيجية التي تهدف إلى تلبية الاحتياجات الفورية والتخفيف من الأزمة الإنسانية الماثلة والوشيكة، التي قدمتها منظمات الأمم المتحدة المختصة في مارس 2024م تحت عنوان خطة منع المجاعة 2024م – مؤكدة على أن الإجراءات الفورية هي المفتاح “لمنع انتشار الموت والانهيار التام لسبل العيش وتجنب أزمة الجوع الكارثية في السودان”.
4.1 معالجة عدم المساواة والتوترات الاجتماعية والنفسية لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل، حيث من المتوقع أن تشهد فترة ما بعد الحرب صراعات من أجل المساواة والعدالة بين مختلف الفئات والمناطق .
5.1 النضال ضد السياسات التي تسمح “للحكومة” باستخدام إعادة الإعمار للمزيد من الفساد والإفساد ولإعادة بناء الاستبداد باستكمال مطلوبات الإصلاح المؤسسي في القضاء والنيابة العامة والمراجع العام لا سيما في حالة لم يحدث تغيير لصالح التحول المدني الديمقراطي الحقيقي.
6.1 الإعلام وضبط وسائل التواصل الاجتماعيّ: من أكثر الوسائل المؤثرة على الرأي العام التي يمكن أن تستخدمها قوى الردة والفلول والقوى التي ارتبطت مصالحها بالحرب، وما تمتلكه من إمكانات وخبرات، لنشر معلومات وإشاعات مضخمة ومضللة تثير خطابات العنف والكراهية، لذا لابد من ضبط ذلك بالقانون أو أي وسيلة أخرى، ولا نعتمد على شركات التواصل الاجتماعي التي تسعى لتحقيق الأرباح بغض النظر عن المحتوى.
7.1 الانتعاش الاقتصادي
يعتبر حجر الزاوية في استدامة السلام وتجنب العودة للحرب، وعليه يجب إيلاء هذا الأمر الأولوية القصوى ولابد من تحقيق معدل نمو أعلى من المتوسط لتجاوز آثار الدمار الذي خلفته الحرب.
مع ضرورة ارتباط الإعمار بالتنمية الاقتصادية والتركيز على التمكين الاقتصادي للفقراء والخريجين والأقل دخلا، بدعم سبل كسب عيشهم، والشروع في تعويض المتضررين، ودعم التعاونيات، الإنتاجية والاستهلاكية، والصناعات الصغيرة والمتوسطة وتذليل الصعاب أمام دور ونشاط القطاع الخاص ضمن تعدد وتوازن وتكامل القطاعات والعمل على إنجاح توطين العديد من الصناعات والاستثمارات الوطنية التي انتقلت من العاصمة إلى أجزاء متفرقة من البلاد.
هذا الانعاش يتطلب توفير موارد ضخمة غير متوفرة حاليا ولا نتوقع مارشال آخر، ولكن نستطيع بالاعتماد على الذات وحشد الموارد وسيطرة دولة الرعاية الاجتماعية عليها، من تحقيق ذلك وفق الخطوات والإجراءات التالية:
أولًا: احتكار المورد الوطني: استنادا إلى قرار الجمعية العامة 1803 (د-17) لعام 1962 الخاص السيادة الدائمة للدول على مواردها الطبيعية الذي نص على:
1. يتوجب أن تتم ممارسة حق الشعوب والأمم في السيادة الدائمة على ثرواتها ومواردها الطبيعية وفقا لمصلحة تنميتها القومية ورفاه شعب الدولة المعنية،
4. يتوجب استناد التأميم أو نزع الملكية أو المصادرة إلى أسس وأسباب من المنفعة العامة أو الأمن أو المصلحة القومية، مسلم بأرجحيتها على المصالح الفردية أو الخاصة البحتة، المحلية والأجنبية على السواء. ويدفع للمالك في مثل هذه الحالات التعويض الملائم، وفقا للقواعد السارية في الدولة التي تتخذ تلك التدابير ممارسة منها لسيادتها وفقا للقانون الدولي. ويراعي، حال نشوء أي نزاع حول مسألة التعويض، استنفاد الطرق القضائية القومية للدولة التي تتخذ تلك التدابير
6. يراعي في التعاون الدولي في ميدان التنمية الاقتصادية للبلدان النامية، سواء جرى على صورة استثمارات رساميل عامة أو خاصة، أو تبادل سلع أو خدمات، أو مساعدة تقنية أو تبادل معلومات علمية، أن يكون مشجعا للتنمية القومية المستقلة لتلك البلدان، وأن يقوم على أساس احترام سيادتها على ثرواتها ومواردها الطبيعية) انتهى.
واستنادا كذلك لقواعد منظمة التجارة العالمية التي تعزز التجارة الحرة والأسواق المفتوحة، نؤكد على أن تقوم الدولة بتطبيق مبدأ السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية على الأقل في المرحلة الأولى على مستوى التسويق، وليس هناك أي تناقض بين السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية وتعزيز التجارة الحرة والأسواق المفتوحة كما تبين قواعد منظمة التجارة العالمية، وأوردنا ذلك حتى لا يخرج علينا “ملكي” مدرسة شيكاغو بأي فرية. ونود أن نشير إلى أن أعتى الدول الرأسمالية طبقت هذا المبدأ ونذكر منها كندا، السويد، ألمانيا والنرويج. ولنأخذ 3 أمثلة فقط من هذه الموارد، لتوضيح الفكرة، والتأكيد على الطابع العملي والممكن، ونحسب عائداتها السنوية إذا ما طبقنا مبدأ السيادة عليها، وهي الصمغ العربي والذهب والاتصالات.
الصمغ العربي:
يعد السودان أكبرمنتج ومصدر للصمغ العربي الخام في العالم بنسبة 80 %من الإنتاج العالمي. تتواجد أشجار الصمغ العربي الرئيسية (هشاب، طلح، سنط) في حزام الصمغ العربي بمساحة 300 ألف كيلو متر مربع ويسكن فيها حوالي 26 مليون مواطن يشكلون أكثر من ثلثي سكان السودان. ينتج السودان سنويا حوالي 150 ألف طن يستهلك منها حوالى 10 ألف طن محليا، ويصدر حوالي 100 ألف طن، وهناك حوالى 40 ألف طن يتم تهريبها. تكلفة إنتاج الطن حوالي 2900 دولار ويصدر خام بسعر 3200 دولار للطن، وبعد المعالجات الفنية في فرنسا يباع بمبلغ 17000 دولار للطن الواحد، معظمه لأمريكا. بوضع خطة ثلاثية تتضمن إنشاء مجمع لتجهيز وتصنيع وتصدير الصمغ ومشتقاته وإصلاح وتطوير السياسات والتشريعات يمكن إنتاج مليون طن من الصمغ يدر عائد سنوي يبلغ 13 مليار دولار ويحسن مستوى معيشة وحياة 5 مليون إنسان.
الذهب:
كشفت آخر الدراسات أن السودان ثالث دولة في إنتاج الذهب بعد جنوب إفريقيا وغانا، وأن الذهب يتواجد في 70% من أراضي السودان، وبصورة سطحية، وأن الطن من مخلفات التعدين، وهو ما يطلق عليه الكرتة، ينتج 28 جرام بعد المعالجة بينما لا يتجاوز عالميا 3 جرام. كما يستوعب تعدين الذهب حوالي 5 مليون بين مُعدّن ومقدم خدمات. وقد لعب الذهب دوراً كبيراً في النزاعات في السودان حتى على مستوي السلطة السياسية، وكان أحد اسباب اندلاع الحرب الحالية. إذا أحسنت إدارة هذا القطاع وأصبح من الموارد السيادية تسويقيا على الأقل؛ فالمتوقع أن تصل عائداته السنوية حوالي 9 مليار دولار نتاج تصدير 150 طن سنويا.
في إطار سيطرة الدولة على قطاع الثروات وقيام بورصات الذهب والمعادن والمحاصيل والحبوب .
وولاية وزارة المالية على المال العام، وعلى موارد شركات ومؤسسات القوات النظامية، وإخضاع إدارة الشركات ذات الطبيعة غير العسكرية للوزارة المختصة، بنهج الخزانة الواحدة والشمول المالي للسيطرة على الموارد وخفض وضبط الانفاق ومحاربة الفساد والمحسوبية .
.إصلاح الجهاز المصرفي وتعديل قوانينه ولوائحه وتمتع البنك المركزي بالاستقلالية كمستشار مالي للحكومة ومشرف ومراقب على الجهاز المصرفي ومسيطر على سعر الصرف واستقراره وتقوية القوة الشرائية للعملة الوطنية، واعتماد النظام المصرفي المزدوج.
8. استصدار عملة جديدة، واعتماد مبدأ الضريبة التصاعدية والضرائب النوعية وخفض الإنفاق الحكومي الاستهلاكي.
10. إعادة التفاوض مع مؤسسات التمويل والدائنين وفق أسس جديدة باستقلالية تحول دون تحمل أعباء الانعاش والإصلاح الاقتصادي لذوي الدخل المحدود والأقل، ودون مساس بثروات البلاد وأراضيها وشواطئها ومياهها.
11. اعتماد نهج الاقتصاد المختلط، بتكامل و توازن قطاعاته المتعددة.
الاتصالات:
تعد الاتصالات من أهم القطاعات الاستراتيجية المرتبطة بسيادة الدولة لضمان الأمن القومي والتواصل الفعال محليًا ودوليًا، وتعمل في مجال الاتصالات 3 شركات أجنبية، منها واحدة شريك لشركة سودانية، هذه الشركات تحقق أرباح خيالية وتمتلك سيولة نقدية هائلة تستخدمها في المضاربة على السلع، كالسمسم، وعلى العملة الصعبة. وعليه يجب إيجاد مُشغّل وطني، ليوظف مثل هذه العائدات التي تقدر بحوالي 50 مليار جنيه يوميا.
8.1 تنظيم الوجود الأجنبي في السودان
تقدر إحصاءات وزارة الداخلية الوجود الأجنبي في السودان بحوالي 3.44 مليون مهاجر غير منتظم، 64 ألف فقط متواجدون بإقامات رسمية، وأن العدد الحقيقي أكبر من ذلك، فيما تشير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لوجود 1.1 مليون لاجئ مسجل لديها. أما الإحصاءات غير الرسمية فتقدر العدد بما يفوق 6 مليون مهاجر غير منتظم من دول إثيوبيا، إريتريا، جنوب السودان، تشاد، مالي، النيجر، نيجريا، وإفريقيا الوسطى. وأصبح هذا الوجود من أكبر المهددات الأمنية والاجتماعية ويشكل استنزافا متواصلا لموارد النقد الأجنبي بتحويل الأجور التي يتقاضونها ويزيد من المضاربة على العملة الصعبة، إضافة إلى التكلفة المالية غير المباشرة لهذه العمالة والضغط على الخدمات العامة. وعليه لابد من ضبط الوجود الأجنبي وتنظيمه ومراجعة قوانين الهجرة لسد الثغرات والتنسيق الدبلوماسي مع دول الوافدين لتنظيم عودتهم بكرامة.
إعادة الإعمار والإنعاش
لابد من التمييز بين فترتين أو مرحلتين زمنيتين تليان وقف إطلاق النار وإيقاف الحرب: المرحلة الانتقالية التي تستلم فيها السلطة التنفيذية حكومة انتقالية بمهام محدده تتمثل في تهيئة البلاد لانتخابات تشريعية، وتنفيذ برنامج إسعافي عاجل لمواجهة الآثار المباشرة للحرب، وإجراءات تحديد المسؤولية عن الحرب والجرائم المرتبطة بها من خلال قيام مؤسسات للعدالة الانتقالية. تلي ذلك مرحلة قيام برلمان منتخب وحكومة منتخبة ومؤسسات تشريعية وقضائية مستقلة على الصعيد الوطني وعلى صعيد محلي (حكومات محلية حسب مستويات الحكم التي يتم التوافق حولها بأجهزة تشريعية وتنفيذية منتخبة).
هاتان المرحلتان لديهما مهام مختلفة على صعيد إعادة الإعمار والإنعاش الاقتصادي وإن تداخلتا من حيث الزمن والآليات التنفيذية.
مهام المرحلة الانتقالية في إعادة الإعمار والانعاش الاقتصادي:
أولا: تأسيس صندوق قومي للإعمار والانعاش الاقتصادي تتكون موارده من:
• سيطرة الدولة بالكامل على موارد البلاد الأساسية: الذهب والمعادن الأخرى، والصمغ العربي، والاتصالات، والنفط، وبناء الأجهزة والمؤسسات اللازمة لإدارة هذه الموارد وتوظيف عائدها ضمن الصندوق القومي للإعمار وفي خدمة برنامج إسعافي عاجل هدفه استقرار السوق وتأهيل مرافق الخدمات الصحية والتعليمية.
• سيطرة الدولة بالكامل على كل الصناعات والخدمات التي تتبع حاليا للقوات المسلحة والشرطة وجهاز الأمن والمخابرات والدعم السريع ووضع عائد هذه الصناعات والخدمات تحت سيطرة الصندوق القومي للإعمار ويوظف جزء من عوائدها في الخطة الإسعافية العاجلة.
• سيطرة الدولة بشكل كامل على إدارة صادر الدولة من الصمغ العربي والحبوب الزيتية وصادرات المواشي والصادرات الزراعية الأخرى وذلك من خلال شركات مساهمة عامة للصمغ العربي والحبوب الزيتية وتصدير المواشي، ووضع حصائل ذلك في الصندوق القومي للإعمار والانعاش الاقتصادي.
• قيام لجنة إزالة تمكين واسترداد المال العام لنظامي التمكين الانقاذي والانقلابي بمصادرة واستعادة كل أموال الشعب المنهوبة داخل وخارج البلاد ووضعها تحت سيطرة الصندوق القومي للإعمار والإنعاش الاقتصادي.
• سيطرة الدولة بشكل كامل على شركات الاتصالات ووضعها تحت إشراف لجنة حكومية تتبع للصندوق القومي للإعمار ومراجعة كل أوجه نشاطها وملكيتها واستحصال ديون الدولة عليها ومراجعة الميزات الممنوحة لها بما يخدم الاقتصاد الوطني بالدرجة الأولى.
في هذا الإطار لابد من مراجعة و تدقيق الأموال الطائلة التي جنبتها هذه الشركات طوال السنوات الماضية من حصيلة الاتصالات الخارجية.
• دعوة المغتربين السودانيين للمشاركة في إعمار البلاد من خلال سندات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد وربط كل من هذه السندات بحوافز مغرية تدفع المغتربين لضخ مدخراتهم في الصندوق القومي للإعمار. يمكن أن تتضمن الحوافز طائفة واسعة من الإعفاءات الجمركية والضريبية وقطع الأراضي السكنية والزراعية والإنتاجية.
ثانيا: دعوة المؤسسات الدولية والدول والجهات الدائنة لإعفاء البلاد من الديون المترتبة عليها أو توقيع اتفاقيات لتأجيل دفع أقساط وخدمات هذه الديون لفترة لا تقل عن 15 عاما.
ثالثا: توقيع اتفاقيات مع الدول والشركات الوطنية والدولية للمساهمة في إعادة تأهيل البنية التحتية لبلادنا (الطرق والجسور والسكك الحديدي وقنوات الري) وفق شروط مسهلة طويلة الأجل.
رابعا: تأسيس وتأهيل القطاع التعاوني ليقوم بدوره في مجالات الإنتاج والتسويق المباشر للسلع والخدمات وذلك للمساهمة في استقرار الأسواق والأسعار وقطع دابر الاحتكار والمضاربة في السلع الغذائية تحيدا.
خامسا: قيادة الحكومة الانتقالية والمنظمات الديموقراطية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني لحملة وطنية شاملة لرفع الأنقاض ونظافة الطرقات والتأهيل الأولي للمدارس والمستشفيات والمؤسسات الحكومية والخدمية في البلاد (هذا الجهد قامت به مجاميع النساء والشباب في ألمانيا واليابان وفيتنام بعد توقف الحرب).
مهام الحكومة المنتخبة في الإعمار والانعاش الاقتصادي
كقوى سياسية واجتماعية ونقابية ومهنية أن نقر بأن واحدة من أهم عوامل فشل النظام الديموقراطي التعددي في بلادنا كان فراغ النظام الديموقراطي من مقتضياته الاجتماعية، ذلك أن كل تجاربنا الديموقراطية فشلت في ربط العملية الديموقراطية (الانتخابات في كل مستوياتها والمجالس التمثيلية)، بالإنجاز الاقتصادي والاجتماعي، الذي يلمسه المواطن في حياته اليومية واحتياجاته الأساسية من صحة وتعليم وغذاء وكساء وأمن، وعليه فإن تأسيس نظام ديموقراطي مستقر يتطلب بالضرورة جعل إنجاز البرنامج الاقتصادي والاجتماعي الذي يرفع مستوى حياة الشعب هو الأساس في العملية الديموقراطية وهو الأساس في التنافس الحزبي للحصول على ثقة المواطن وصوته الانتخابي، لتحقيق ذلك على البرلمان والحكومة المنتخبين العمل على تحقيق الأهداف التالية :
• اعتبار أول برلمان وحكومة منتخبين استمرارا للفترة الانتقالية بشرعية انتخابيه دستورية لإكمال ما لم ينجز من مهام الفترة الانتقالية.
• على هذه الفترة الانتقالية الدستورية الاستمرار في تنفيذ المهام الواردة أعلاه بالنسبة للفترة الانتقالية
• تهيئة التشريعات والقوانين التي تمكن الصندوق القومي لإعادة الإعمار من تنفيذ مهامه، وبضمنها القانون الذي يفصل مهام وواجبات الصندوق ومؤسساته الإدارية وكيفية الرقابة التشريعية على أدائه وكل ما يتعلق بذلك.
• وضع التشريعات والقوانين للشركات العامة للذهب والصمغ العربي والحبوب الزيتية وصادرات المواشي بما في ذلك تحديد نسب مشاركة القطاع الخاص في هذه الشركات.
• وضع التشريعات اللازمة لتنظيم سوق العمل والأجور وعقود العمل في القطاعين العام والخاص والتشريعات التي تنظم كيفية فض المنازعات بين أصحاب الأعمال والعاملين.
• إعادة النظر في كل القوانين والتشريعات بما يتلاءم مع المواثيق الدولية وحقوق الإنسان وحقوق الطفل والمرأة وحقوق العمال.
• الدخول في شراكات إقليمية مع دول الجوار وتنظيم التجارة البينية وتجارة الحدود ورفع مناسيبها وتبادلاتها واعتبارها عمقا سوقيا لوسط وغرب وجنوب إفريقيا، وشراكات دولية في المجالات ذات النفع المتبادل. إن دول الجوار المعزولة عن شواطئ البحار كتشاد وإفريقيا الوسطى والنيجر وجنوب السودان، يمكن لنا أن ندخل معها في شراكات متعددة في حقول الطرق الدولية وخطوط السكك الحديدية والمطارات وأنابيب نقل البترول وغيرها من المجالات التي تعود علينا جميعا بمنافع لا حصر لها وتوفر لشبابنا فرص عمل كبيرة فى إطار رؤية التكامل الاقتصادي العربي الإفريقي.
• أن تستمر الحكومة في خطط جذب مدخرات المغتربين وذلك بتقديم مزايا تفضيلية لمشاريع استثمارية في المناطق التي عانت من الحروب لفترات طويلة (دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق).
• تنظيم وقيادة الجهد الشعبي في إعادة تأهيل المدارس والمستشفيات وقنوات الري في المشاريع الزراعية الكبيرة، بتوفير الآليات والدعم الممكن.
• توسيع قاعدة التمويل الأصغر لتشمل قطاعات الشباب والمرأة والخريجين بتوزيع الأراضي الزراعية والإنتاجية وتوفير البذور والأسمدة والمعدات لهذه المشاريع الزراعية والإنتاجية وذلك من أموال المصارف والصندوق القومي للإعمار لخلق فرص عمل جديدة وتحقيق الاكتفاء الذاتي في كثير من مستلزمات الغذاء وربط ذلك بالتدريب .
• توجيه الجزء الأكبر من عوائد الصندوق القومي للإعمار لتأهيل المشاريع الزراعية الكبرى بالتكامل مع الجهد الشعبي
لتأهيل القنوان والطرق الداخلية.
• تأهيل المصانع التحويلية القائمة والاستثمار في صناعات تحويلية جديدة عبر إدخال منتجاتنا الخام إلى منتجات مصنعة، عبر سلاسل القيمة المضافة، وفي مراكز أو قرب مواقع الإنتاج، التي تدر دخلا عاليا للبلاد (صناعات طحن وتعبئة الصمغ العربي، صناعات الزيوت، صناعات اللحوم والجلود والألبان، تعليب الخضر والفواكه والتمور والمنتجات الغابية… الخ) وتحسين أحوال السكان والمنتجين .
حزب البعث العربي الاشتراكي (الأصل)
قطر السودان
اللجنة الاقتصادية
مايو/ ايار 2024م
___________________
المراجع:
1/ تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين
2/ رؤية حزب البعث العربى الاشتراكى لتشكيل الجبهة الشعبية العريضة لإسقاط انقلاب 25 أكتوبر واستعادة التحول الديمقراطي.