
بيان حول موقفنا من الدعوة للحوار
بسم الله الرحمن الرحيم
حزب البعث العربي الاشتراكي (الأصل)
أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة
• الحوار الجاد يستوجب اعتراف النظام بوجود تحديات داخلية وخارجية تقضي بمشاركة الجميع في تحمل المسؤولية في إطار سلطة وطنية انتقالية.. وتهيئة المناخ لحوار مجتمعي جاد حول برنامج السلطة الانتقالية.
• بإطلاق الحريات العامة.. وسراح المعتقلين والمحكومين سياسياً.. وإبداء الاستعداد لإعلان وقف فوري لإطلاق النار والعمل علي إيجاد حل سلمي ومعالجة التداعيات الإنسانية للحرب.. وأن تدير الحوار لجنة قومية.
يا جماهير شعبنا:
في خطابه بتاريخ 6 أبريل 2014 بقاعة الصداقة، اعترف البشير بالقيود المفروضة على حرية النشاط السياسي الحزبي المعارض وبوجود معتقلين ومحاكمين لأسباب سياسية، وباحتكار حزبه لمنابر الإعلام.. وذلك عندما وجه الجهات المختصة بالسماح للأحزاب بممارسة نشاطها داخل وخارج دورها.. وإتاحة الفرص المتكافئة لها في وسائل الإعلام.. وإطلاق سراح المعتقلين.. وذلك ما كان ينكره حينا ويستكثره على شعبنا بأحزابه ومنظماته الديمقراطية والنقابية طوال عهده المشؤوم.
يجيء خطاب البشير في سياق ما أعلنه من قبل بالرغبة في إجراء حوار لا يستثني أحد، ويأتي في ظل تفسخ النظام واتساع نطاق الحرب وسقوط هيبة الدولة واستفحال الأزمة الاقتصادية وبلوغ مسيرة النظام نهاية الطريق المسدود.
فليست الدعوة هذه بالحدث الجديد كما يردد إعلام النظام، وكما حاولت أحزاب التوالي وآخرين حرق البخور لها. فلقد سبق للنظام وبهدف اكتساب الشرعية التي يفتقدها، وللهروب من أزماته وتصديرها للآخرين، أن قام بمحاورة العديد من القوي والحركات السياسية والمسلحة المعارضة، بمزاعم الوصول لوفاق أو تراض وطني وإشاعة السلام والحفاظ على الوحدة الوطنية والتحول الديمقراطي… بينما يشهد التاريخ أن محصلة تلك الحوارات والاتفاقيات التي أُبرمت في نيفاشا وأبوجا والقاهرة، وغيرها، كانت تدويلاً لقضايا السودان وتفاقماً للأزمة الوطنية، وانفصالاً للجنوب وتهديداّ بتفتيت وحدة ما تبقى من القطر وتمزيقاً لوحدة النسيج الاجتماعي الوطني واتساعاً لدائرة الحرب وتفشياً للفساد والجريمة المنظمة وغلو الاستبداد وتردياً مريعاً في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، بما جعل حياة الملايين جحيماً لا يطاق من الفقر والجوع والمرض وضياع الأمن وانهيار القيم.. ويضاف إلي ذلك أن تحصٌل النظام المستبد المغتصب للسلطة من الذين حاورهم علي صكوك اعتراف بالشرعية التي لم ولا يقرها له حزبنا مطلقاّ.
كما ساهمت تلك الاتفاقيات في تمديد أجله واهتزاز ثقة الشعب في مصداقية بعض القوى المحسوبة على المعارضة وأطروحاتها حول إسقاط النظام، وسلم تسلم وغيرها… واتسعت هجرة المواطنين يأساً من الميادين والولاءات الحزبية السياسية نحو أطر متخلفة منغلقة جهوية وقبلية، تزداد كلما تكرر حراك القوي السياسية باتجاه التوافق مع النظام تارةّ أو نحو التماهي مع الحركات المسلحة تارةّ أخري، مما أسهم ولو إلى حين في إرباك نشأة وتطور وفعالية البديل الجذري التاريخي للنظام وبدائله الزائفة.
يا جماهير شعبنا:
في الوقت الذي يرفع فيه النظام شعارات الحوار الشامل الذي لا يستثني أحد، نجده يتناقض مع ذلك عند ذهابه لأديس أبابا وحرصه على حصر الحوار بينه والحركة الشعبية، وحول مستقبل كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق فقط. وفي المقابل كذلك نلاحظ مزايدة قطاع الشمال عندما يطالب بالحوار الشامل في أديس والذي كان طريق قبوله هو والنظام به نص القرار 2046، الأمر الذي يعكس خضوعهما معا للاملاءات الأجنبية ومتاجرتهما بقضية الحوار.
يا جماهير شعبنا:
إننا إذ نجدد ونؤكد موقفنا المبدئي والوطني المتطلع لانطلاق حوار مجتمعي وطني جاد، فإننا نسطر ذلك بتحديد دقيق وواضح لمرتكزات ومطلوبات نجاح الحوار والتي بدون التوافق عليها تصبح الدعوة للحوار أو إجرائه بدونها تضليلا لجماهير الشعب وتكراراً للتجارب البائسة التي خاضتها القوى التي حاورت النظام تحت رايات متنوعة من قبل، ومحاولة لإخفاء واقع العجز والطريق المسدود الذي وصله النظام من جهة وبعض الأطراف قصيرة النظر من جهة أخرى، الذين يعملون لتسويق أنفسهم كبديل جديد بينما هم جزء لا يتجزأ من قوى الأزمة وتفاقمها.
ولذلك فإن جدية ومصداقية دعوة النظام للحوار، إنما تتوقف علي إقراره الصريح بأن بلادنا تواجه مخاطر وتحديات داخلية وخارجية تقتضي مشاركة جميع أبناء السودان في تحمل المسؤولية، وذلك يعني انتقال بلادنا من سلطة حزب المؤتمر الوطني المهيمن إلي سلطة وطنية انتقالية تنهي تلك الهيمنة الممتدة لربع قرن على مؤسسات الدولة النظامية والخدمة المدنية والإعلام والمؤسسات المالية والاقتصادية وقطاع الخدمات الصحية والتعليمية… الخ، بحيث يصبح السودان دولة كل أبنائه لا دولة المؤتمر الوطني. إننا نطرح ذلك بوضوح تام بينما يستبطن المؤتمر الوطني من الحوار استمرار تفرده بالهيمنة.
موافقة النظام علي ما سبق تفرض عليه اتخاذ جملة من الإجراءات التي تهيئ المناخ للحوار الجاد الذي يشارك فيه أهل السودان جميعا وفي مقدمة ما هو مطلوب من إجراءات:
• إطلاق الحريات العامة وإلغاء كافة القوانين المقيدة لها.
• إطلاق سراح كافة المعتقلين والمحاكمين سياسياً.
• إعلان الاستعداد لوقف فوري لإطلاق النار والعمل على إيجاد حل سلمي ومعالجة التداعيات الإنسانية للحرب.
• الاتفاق على آلية لإدارة الحوار بعدالة وشفافية يشارك فيها أبناء السودان من داخل وخارج القطر.
• ليأتي بضوء ذلك: التوافق على برنامج السلطة الانتقالية الذي يفتح الطريق نحو الاستقرار السياسي وإشاعة الحريات العامة، والتداول السلمي للسلطة وسيادة حكم القانون، والفصل بين السلطات وتأسيس دولة الرعاية الاجتماعية ،وسبل انجاز العدالة الانتقالية في مواجهة مختلف الجرائم التي ارتكبت منذ 89، ورد المظالم لأهلها، وتعزيز الوحدة الوطنية واستدامة السلام والأمن، والتخطيط للتنمية المستقلة والمستدامة والشاملة والمتوازنة جهويا واجتماعيا ودعم قوى التحرر والتقدم عربياً وأفريقياً… الخ
يا جماهير شعبنا:
تلك هي خارطة الطريق التي يقوم على مرتكزاتها مشروع المخرج الوطني الانتقالي من الأزمة ومجابهة التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه بلادنا، والتي تتطلب مشاركة الجميع في تحمل المسؤولية بفعالية.
إننا لا نجد فيما قدمه البشير الآن كما لم نلمس فيما قام به نظامه من قبل أية مصداقية أو جدية نحو الحوار، وليس من المنظور أن يتجرد النظام من مصالحه الضيقة لإعادة توحيد الموقف الوطني في مواجهة مخاطر الأزمة الوطنية الشاملة بكل ما يتطلبه ذلك من تجرد ومسئولية تمكن الشعب من المشاركة الفعلية في التقرير في القضايا المتعلقة بحياته ومستقبل بلاده.
وإلى حين أن يؤكد النظام التزامه العملي بذلك كله، فإننا نجدد التزامنا بخيار شعبنا، وسنبذل كل طاقتنا من أجل تعبئة وحشد قواه لمواصلة السير علي طريق الانتفاضة التي أعلن شبابنا وقواه الحية عبر مسيرته التاريخية في أكتوبر 1964 ومارس أبريل 1985 استعدادهم لتجديدها، كما حدث في سبتمبر وأكتوبر 2013، والتي كانت أبرز مآثرها المتجددة تكمٌن في أنها أعادت الاعتبار للخيار الجماهيري الذي تعبر فيه عن إرادتها الحرة، بعيداً عن مناورات وتكتيكات البدائل الزائفة، كما برهنت على أن الجماهير المؤمنة بعدالة قضيتها والمستندة على إرادتها الحرة وبحسها ووعيها قادرة على أن تشق طريقها بوضوح رغم الغبار الكثيف الذي تثيره المناورات الفوقية باسم الحوار نحو فجر الخلاص الوطني لبناء سودان موحد حر ديمقراطي تقدمي.
قيادة قطر السودان
الخرطوم في 14 أبريل 2014م