تنبأت عرافة (زوجة قيادي انقاذي ومعتمد سابق) ان هناك انقلابا وشيكا سيحدث، لم تذكر اسم حزب ولكنها قدمت اشارات لم يتبق معها الا ان تقول شعاره امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، بعدها بدأ عزفا كوراليا فلوليا منظما لاتهام حزب البعث العربي الاشتراكي بالتخطيط لانقلاب عسكري، على سلطة هم انفسهم كانوا يقولون انه المهيمن عليها، وانه قائدها ولم ينتبهوا لمواجهة السؤال البديهي لماذا يقود حزبا مهيمنا وحاكما انقلابا على نفسه، فاما انه لم يكن حاكما وبالتالي فهم كاذبون، او ان كان حاكما فهو اذاً لم يخطط لانقلاب على ذاته ومن قال بهذا فهو كاذب. الجدير بالذكر انهم وفي حالة معاكسة كانوا يقولون ان البعثيين لا يملأون ركشة، ثم فجأة بدأوا يقولون انهم حاكمون ولم يرف لهم جفن،
عموما بعد اجتهادهم في الترويج لهذه الفرية، علق امين سر قيادة البعث ليس بعدم صلة الحزب بهذا المخطط فحسب، بل وتنبأ لكل من سيحاول هكذا مغامرة (بالسقوط بسرعة الضوء حسب وصفه).
ورغم ان الجميع كان يتحدث عن الانقلاب الوشيك الا ان استعدادات قوى الردة لم تتوقف لتنفيذ الانقلاب (رغم ذيوع خبره) وكان واضحا اما انهم قد فقدوا السيطرة على المكابح، او انهم بالفعل يسابقون استحقاقات محددة لا يملكون القدرة على التأثير عليها، او أن هناك جهة تسير الأمور فوق ارادة المنفذين عابرة للواقع. فبدأت الجهويات والمناطقيات والكيانات القبلية التي ركب الاسلاميون على ظهرها بديلا للخطاب الديني التقليدي الذي ترجلوا عن صهوته اثر تكشف مخازيهم، وسوءاتهم، في حقه، حتى توج الأمر باغلاق طريق شرق السودان، وتعطيل الميناء، لخنق البلاد، ولخلق الشروط اللازمة للردة واجهاض الثورة عبر الانقلاب الوشيك، والجميع قد سمع الحديث عن الحاجة للاغلاق لمدة يومين فقط وبعدها سينتهي الأمر، وبدا كثير من الاسلاميين على درجة من الثقة بالقدر الذي امتلأت الاسافير بمنشورات الفلول الواثقة المليئة بالتهديد والتوعد، وراجت الأحاديث حول العودة الوشيكة، وصاروا يعدون انتظارهم بالساعات، وعدا تلك البوستات التي سحبها كتابها لاحقا، فهناك منشورات ما زالت شاخصة تشهد على عالي سقف أصحابها وخيبة املهم لاحقا.
وفي فجر الثلاثاء الحادي والعشرين من سبتمبر بدأت العملية الانقلابية في الاعلان عن نفسها بأفعال تمثلت في السيطرة على بعض المناطق العسكرية، والاستراتيجية، وأهمها سلاح المدرعات، الا إنه أجهض في حينه بسبب جاهزية واستعداد الجيش الذي كان يراقب الاعداد للانقلاب أمام عينيه، وربما كان لقيادته رؤية ألا يتم احباطه الا بعد الشروع في التنفيذ لأسباب تتجاوز الحسابات العسكرية الفنية العادية، ليكون منصة (لفض) اشتباكات وتعقيدات تراها القيادة المعنية.
مع اعلان فشل الانقلاب بدا واضحا ان هناك مشروعا استثماريا ضخما رأسماله هذا الانقلاب الفاشل ،بدأ في مخاطبة اشتباكات وتعقيدات العلاقة بين الشركاء من قبل الشريك العسكري الذي اشتمل نظره لكليات المشهد الذي يلوح بدءا باستحقاق نوفمبر لتسليم قيادة المجلس السيادي للمدنيين امرا بالغ الحساسية، كما استحقاق وجوب هيكلة القوات النظامية، الذي يعلم الجميع انه لا يستهدف الا فلول النظام البائد الذين لا يوفرون فرصة لعرقلة الانتقال الا وعبأوها بحقدهم على الثورة والسلطة الانتقالية ولا يستهدف أبدا هذه الأجهزة ،بل السعي لتأهيلها لتمارس دورها بمهنية واحترافية تمكنها من أداء مهامها المتفق والمنصوص عليها. وهذا ما يتحسس منه الكثيرون عشوائيا وبلا ترتيب.
بدأت قيادات الشراكة العسكرية رئيس المجلس ونائبه على ما بدا بينهما من اختلاف صامت الا انهما كان يتحدثان عن الشريك المدني بلغة تقترب تماما من لغة انقلاب فض الاعتصام أولا بدا كل منهما يتحدث بتمييز نفسه والاشارة (للسياسيين) بعبارات لا تعبر عن روح الشراكة وانما تضمر ما يريب على (شاكلة قلنا ليهم امشوا اتوحدو) وهذه تماثل (دون اقصاء لأحد) التي أعقبت فض الاعتصام فقط هنا لا يستطيع الحديث عن اؤلئك الفلول الذين كان يتحدث عنهم في ذاك الوقت مباشرة ولكنه الان يقول من الذين شاركوا في اعلان الحرية والتغيير وهو هنا حتما يعني (القوشيون) والامر لا يختلف. ولا ادري لماذا يتحتم على قوى الحرية أن تتوحد حسب رؤيته للوحدة ولا يرغب سيادته بالزام نفسه بذات الرؤية بتوحيد القوات المسلحة والدعم السريع مثلا، وبالطبع غير معلوم ما الذي يضير في ان تختلف قوى الحرية والتغيير والتي لا يتجاوز خلافها بيانات تنشر وتقرأ ربما تعقبها انشقاقات تضيف حزبا جديدا لا يضيق به الفضاء لأنه يطرح نفسه للناس ولهم مطلق الحق في قبوله أو رفضه، بينما نفس هذه الخلافات موجودة في القوات المسلحة نفسها ولا يتم التعبير عنها بالانشقاقات والبيانات وانما بالانقلابات والسلاح، وللسيد برهان ان يحدثنا عن ما كان يمكن أن يحدث لو لم تستسلم الجماعة التي احتلت المدرعات وقررت أن تستخدم ما بأيديها من سلاح. ثم حديث السيد النائب حول انهم يشتمونا فهل تتساوى بنظره يشتمونا ويقتلونا؟ فجماهير الشعب تعرضت للقتل من بعض هذه القوات، ولضرورات الشراكة والترتيب للعبور قلنا علينا الا نعمم فلماذا يطالب سيادته الاخرين بعدم التعميم ليأتي هو ويمارس التعميم.
يتحدث البعض ان الجيش لا يقبل بقيادة المدنيين وانه سيقول ان قادته باعوه للمدنيين، يجب ان يتحلوا بقدرات وصفات القادة الذين يتخذون ما يرونه صحيحا لأجل شعبهم ووطنهم لأن الجيش أصلا جيش الشعب، وعليهم أن يتذكروا أن ذات الأمر قد انطبق على المدنيين الذين اتهمهم بعض شركائهم بأنهم باعوا دماء الشهداء ووصفوهم بشركاء الدم ولكنه كان التزاما وطنيا يتجاوز أي اعتبار ويستحق أي تضحية.
اما الحديث عن اننا ما بنسلم الا لحكومة منتخبة أو ما في حكومة منتخبة وما بنسلم البلد لجهات مجهولة فهذا حديث خطير يؤكد رفضا حاسما للثورة كآلية فرضت واقعا جديدا لا يجوز الطعن به أبدا.
لعل اشتراك السيدين في الحديث عن المحاصصات وترك هموم المواطن والجري خلف السلطة وووو الخ. فلو اخذنا ورقة وقلم وتحدثنا عن ايجابيات وسلبيات السلطة الانتقالية لوجدنا الايجابيات الاتية:
١/اختراقات هامة جدا فيما يتعلق بالعلاقات الدولية توجت بعودة السودان للمجتمع الدولي ورفع العقوبات وازالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب.
٢/اعفاء أكثر من ٢٣ مليار من ديوننا البالغة ستين مليار واكتمال الاستعدادات لاعفاء المتبقي منها
٣/لأول مرة ومنذ سنوات تستطيع الدولة أن تسيطر على اقتصادها بما يمكنها من انفاذ ما تراه من معالجات بدأت نتائجها في الظهور ببطء ولكنها بدأت.
٤/ بدأت البلاد خطوات مهمة وواثقة فيما يتعلق بالاستثمار والشراكات الانتاجية الكبيرة
٥/زيادة وتائر الاهتمام بمشروع الجزيرة وتوفير تعاقدات كبيرة مع التمويل بشكل فعلي
٦/ الاتفاق والتعاقدات فيما يتعلق بالطاقة مع توفير التمويل عبر بيوت تمويل محددة هذا بالطبع الى جانب كثير من مما لا يمكن احصاؤه من ايجابيات وأولها الحرية والكرامة
اما في جانب السلبيات فيمكن اجمالها في أمرين:
الأول: الضائقة المعيشية اليوم_ ومعلوم ان 82% من موارد البلاد وامكاناتها الاقتصادية بيد المكون العسكري متمثلا في شركات واستثمارات مهولة فلو انها كانت تحت ولاية المالية لحققت فرقا كبيرا لتأسيس لمعالجة اختلالات الاقتصاد دون الحاجة لانتظار دورات اتخاذ وتنفيذ القرارات في المؤسسات الدولية
الثاني: انعدام الأمن_ وهذه هي المسؤولية الوحيدة التي التزم بها المكون العسكري وللأسف فإنه قد انصرف للتواجد في اي مجال لا يعرف فيه وترك المجال الوحيد الذي يحسنه وهذه أكبر سلبيات السلطة حاليا حيث تعيش البلاد حالة من الفلتان الأمني تشابه ما أصبح عليه الحال قبل انقلاب الانقاذ المشؤوم.
فلو أن المكون العسكري قد قرأ رد فعل الجماهير على الانقلاب على أساس إنه كان ضعيفا ورتب أمره على هذا الأساس ستكون قراءة خاطئة مجددا اسوأ من قراءة ما بعد فض الاعتصام لأنه قرأ الأمر في ذات الاتجاه ولكنه فوجئ ب٣٠ يونيو ولكن اليوم سيكون الأمر جد مختلف ولن يقبل الشعب ولا بعام واحد ناهيك عن ثلاثين جديدة محتملة مع اي انقلاب عسكري.
الآن أمام المكون العسكري اما أن يمضي في طريق الثورة ملتزما بنصوص الوثيقة الدستورية، محترما توقيعه عليها، واما أن يختار طريق الفلول الذين يعتقدون إنهم يوفرون له حاضنة جديدة قوامها القبائل التي جعلوا منها مواعينا سياسية ستتفجر بوجوههم قريبا، وهي نفس الحاضنة التي اتكأ عليها المخلوع فأسلمته كوبر ولاهاي تقترب.
#الالتزام بالوثيقة الدستورية واجب لا يستحمل اي تكتيكات او نكوص
#انتقال السلطة للمكون المدني في التاريخ المحدد التزام ثوري لايقبل التأجيل.