هذا وبعد التوقيع على الإعلان السياسي

هذا وبعد التوقيع على الإعلان السياسي

بقلم : ياسر عوض الزين

التوقيع على الإعلان السياسي لوحدة قوى الحرية والتغيبر وقضايا الإنتقال وبناء دولة المواطنة المدنية والديمقراطية، ليس ترفاً ولا مجرد فانتازيا عبثية تتلبب المشهد السياسي بلا جذر أو عمق، بل عودة قوية من قوي الثورة للثورة التي توزعت عنها المسارات، وتمردت عليها المواقف بفعل القراءات المختلفة والمواقف التي بدا عليها حيناً عدم الاستعداد الفكري للانتقال من هتافيات العمل المعارض ومواقفه الحدية الى رحاب العمل الإيجابي، الذي يتأسس على الاحتمال مع تحمل المسؤلية الجماعية بما في ذلك من تقاطع مدارس مختلفة ومناهج متباينة للتفكير والعمل ،مع ما يرتبه العقل الثوري الذي اعقب الثورة مباشرة من ضيق في المساحات ومحدودية في خيارات الواقع السياسي والاقتصادي، مع ما بدا من اتجاهات نشاز للسلطة التنفيذية من خلال إنفرادها ببعض الملفات خاصة في الجانب السياسي( التطبيع) والجانب الاقتصادي (روشتة الصندوق والبنك الدوليين) ، مع انقسام قوى الحرية والتغيير بين رافض لافتراعات السلطة، ومؤيد لها .كل ذلك مقروءاً مع تطلعات الثوار وآمالهم وشعارات الثورة وأهدافها فرض على الجميع شد ثوب من اثورة من اطرافه، مما أوجد ثقوباً ورتوقاً بالغة .

بطبيعة الحال ثلاثين عاما من غياب المؤسسية والممارسة الديمقراطية بدا ان الجميع يتحسس مسارات منفردة نحو الحرية التي ينشدها حسبما يراها ،في ظل عدم وجود مشروع وطني راسخ يؤشر معياراً واحداً مقبولاً للجميع يقايسون عليه وبه مواقفهم من الثورة، ويضبضون به تقييماتهم لانفسهم، وللاخرين، ممن يتشاركون معهم الهم والمسؤولية، مع انفتاح الاسافير بلاعب جديد لم يكن ضمن الثقافة العامة للممارسة وهو اعلام الفضاء المفتوح (المشاع) الذي يحمل كل غث وسمين والذي لم يكن يكتفي فقط باستزراع الامراض وبذور الخلافات بين قوي الثورة فحسب بل كان يروج ويسوق ويضخم بما يخدم اجندته التفتيتية، وللاسف فان كل القوى بدت منساقة بقدر ما، او شكل ما، لهذه الفلسفة على بساطتها، وسذاجتها.

ولكنها اليوم وبهذا التوقيع فانها قد هزمت كل مخططات قوى والردة، ومساعيها لاجهاض الثورة الى جانب هزيمة كل نوازع التشكيك حول الاخر وعدم الثقة في شركاء الهم الوطني العام ،الذين تشاركوه وقت كان ثمنه الطريق للمشانق عبر المعتقلات، وبيوت الاشباح، والتضحيات الجسام.

وحتى لا نقصم ظهر الاعلان منذ الان بوصفه هكذا تميمة لوأد خلافاتنا الى الابد ،ولا منصة للاتفاق على كل تفاصيل حياتنا ، بل الصحيح اننا لم نتحول لحزب واحد برؤية واحدة ومنهج كلي واحد بل فان هذا يعني اننا اوجدنا لانفسنا طريقا يمكننا من السير معا الى اقصى ما تحتمه ضرورة انفاذ ما اتفقنا عليه من برامج ورؤى دون ان تتقدمنا خلافاتنا نحو العمق ،وان نؤمن بحقنا معا في الاختلاف دون تعالى، او تخوين ،وان نسد قنوات اهدار احترامنا لبعضنا بسبب المواقف ومترتباتها،وان نلتزم جميعا بحتمية الايمان بروح العمل الجماعي، دون ان يعني ذلك التفريط في منابرنا الخاصة، اذ فقط المطلوب تعلية قيمة التفكير والسلوك الجماعي، مع الالتزام بمحددات دولة المواطنة المدنية والديموقراطية، واعتبار السلام راكزا اساسيا لصيرورة هذه الدولة التي صارت امنية واغنية معلقة على هواجس الوطن.

التوقيع على الاعلان ليس مجرد احتفالا يحتشد بالصور الملونة، والورود البلاستيكية، بقدر ماهو تعبير عن ارادة جماهيرية ظلت تبحث عن ثورتها بين اضابير خلافات قوى الثورة وتشظياتها، تواقة لهذا اليوم الذي تستعيد فيه الثورة ذاكرة الفعل الجماعي، المخلص، المفضي، للنصر والمعبر بحق عن الثورة ليس توهما عاطفيا وانما ايمانا عميقا يجب ان يبذل لكل القوى التي شاركت في صنع هذه الثورة ولو بقطرة عرق واحدة دون كلل او ياس ، علينا الا نتجاوزها والا نسعى لاستصحابها تفضلا بل اعترافا كاملا بحقها، والزاما لها بواجبها نحو الثورة والوطن والشهداء .

#تماسك قوى الثورة بداية الطريق لانتزاع حق الشهداء في القصاص العادل والعاجل